الإثنين 20/10/1445 هـ الموافق 29/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
مئوية بلفور . بين الإعتذار عن الوعد و الإعتذار عن الإعتراف...جبريل عوده

 بعد مائة عاما من وعد بلفور المشؤوم ,يستمر الظلم التاريخي والعدوان الآثم على فلسطين أرضاً وشعبا, تتبجح رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي , بأن حكومتها لن تعتذر عن هذا الوعد , وتعلن فخرها بالدور البريطاني في إيجاد دولة "إسرائيل", وزير الحكم المحلي البريطاني ساجد جاويد، يقول مثل هذا الاعتذار يعني الاعتذار عن وجود "إسرائيل" وتقويض حقها في الوجود , بعد مائة عاما على الجريمة لازالت أركانها مكتملة وحقيقتها مفضوحة وجرمها مشهود , والا لماذا تُستحضر كلمة " إعتذار" ؟ , أليس الإعتذار يكون على حدث سيئ وفعل قبيح , بعد مائة عاماً فإن " إسرائيل " تبقى فعلاً مذموماً وأثرا قبيحا يجب إزالته, هذه هي الحقيقة الراسخة لذا من أنتجوا هذا المولود اللقيط المشوهه , وإن راعيته وحمل أوزاره وتجميل سوءته , عبءُ لن تتحمله أجيال الغرب إلى الأبد , وسيأتي الإعتذار وتحمل المسؤولية عن كل مآسي شعبنا في حينه , فهو الإثم الثقيل بإقامة كيان استيطاني عنصري دموي , وهو النهب المفضوح لوطن تسكنه آمال وآلام وحكايات أهله , الذين فتكت بهم آلة الحرب البريطانية تحت مظلة الإنتداب , وأعُملت أدوات الذبح الصهيونية في أجساد الأبرياء الفلسطينيين , ليتم إقتلاعهم من موطنهم برعاية العالم المتحضر! .

 

 

 

خطاب الخسة والسرقة , الصادر من المجرم آرثر بلفور وزير الخارجية البريطاني, يمنح ما لا يملكه إلى من ليس له حق فيه , وبناء عليه تقام دولة " إسرائيل " مستندة إلى هذه الوثيقة الإحتلالية , فهذا الإحتلال باطلٌ , وكل ما يصدر عنه يناله البطلان , فلا يحق لبلفور أن يتبرع بوطنٍ كامل سيطر عليه بقوة الإحتلال , لمجموعة من العصابات الصهيونية التي ليس لها الحق في هذا الوطن المحتل , فهذه الوثيقة الملعونة هي تفويض من الإحتلال البريطاني للعصابات الصهيونية بأن تُكمل مهمة الإحتلال لفلسطين بعد إنسحاب بريطانيا , ويتضح لنا ذلك من الدور البريطاني المساند للعصابات الصهيونية ودعمها بالسلاح , وهو ما وفر لها السيطرة على فلسطين وإعلان قيام دولة " إسرائيل " في أيار 1948 ميلادية .

بعد مائة عاما لازلنا نجدد اللعن على الوزير بلفور , ونطالب بريطانيا بالإعتذار عن جريمتها, يتكرر ذلك في كل عام , تأكيداً من الشعب الفلسطيني وقواه الحية ,على رفضهم لكل ما أنتجه هذا الوعد الجريمة , وإفرازه الوحيد الذي أورث شعبنا النكبة والهجرة والتشرد , يتمثل في قيام "إسرائيل" على تراب وطننا فلسطين , فهل نقف بتجرد أمام هذه الحقيقة ؟ التي تؤكد بأن معركتنا الوطنية هي إزالة الكابوس المسمى "إسرائيل" الجاثم على الوطن الفلسطيني , أليس هذا الكيان الصهيوني المعادي هو من إرتكب المجازر الدموية , ومارس التهجير القسري لأهلنا من ديارهم, وأقدم على إبادة القرى وتهويد المدن وتغيير أسمائها بأسماء عبرية , ألم تنطلق كل فصائلنا الفلسطينية لمقاومة هذا الإحتلال البغيض, ألم تكن طليعة أهداف منظمة التحرير الفلسطينية إزالة " إسرائيل" , وإقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الوطني المحتل .

بعد مائة عاما على وعد بلفور , لنسأل أنفسنا كم هو التراجع الذي حدث بأيدينا لمشروعنا الوطني التحرري ؟!, كم بلفور صنعنا وكم تنازلاً قدمنا في مسيرة التسوية , ألم تعترف منظمة التحرير بتاريخ 9-9-1993 ميلادية , بشرعية كيان الإحتلال الصهيوني مقابل إعتراف "إسرائيل" بالمنظمة , وهذه القرارات التي تنازلت فيها منظمة التحرير عن ما يقارب من 80% من فلسطين لصالح العدو الصهيوني , هي قرارات لا تمثل مجموع الشعب الفلسطيني , قوبلت بالرفض من كل قوى شعبنا الحية , لقد تم الإنفراد بقرارات الإعتراف من قبل مجموعة سيطرت على القرار بمنظمة التحرير , وتواصل جر قضيتنا الوطنية نحو مستنقع التيه التفاوضي , ولو عُدنا للزمن القريب لنرى كيف وقف البعض الفلسطيني شاهراً شروط الرباعية , التي تنص على الإعتراف بـ "إسرائيل " في وجه الحكومات الفلسطينية التي أفرزتها الإنتخابات السياسية عام 2006 ميلادية , وانتهاءا بالتصريحات المنسوبة للرئيس عباس الذي يشترط الإعتراف الفردي بـ " إسرائيل" من جانب الوزراء في أي حكومة فلسطينية قادمة , أليس من حقنا أن نطلب ممن أحدثوا الإعتراف بـ " إسرائيل" كجُرحِ في جسد قضيتنا , أن يعتذروا عنه ويتراجعوا عن هذا الأثم بحق الوطن .

بعد مائة عاما على وعد بلفور سيء الصيت والأثر , لابد لنا من صحوة وطنية عارمة , لتغيير المسار وتعديل الإنحراف , وإعادة الإعتبار للهوية الفلسطينية الأصيلة , التي تعشق برتقال يافا وبحر حيفا ولا تبيعهما بخساً في سوق التسوية , وغذاء عيونها الجرمق الشامخ لا تتنازل عنه ولو بذهب الكون , وشرايين دمائها سهول الجليل , والنقب الفلسطيني ذراعها الممدود شموخا وكبرياء , وطن جميلة بتكامله لا يقبل القسمة ولا التقسيم , هي فلسطين خارطة المجد الممتدة من قلعة الجنوب رفح , إلى رأس الناقورة شمالاً , هي فلسطين محل الإجماع وخيمة الوحدة وزاد العودة , توحدنا نحو طريق إستعادتها حرة مرفوعة الهامة , فتعالوا إلى فلسطين في ذكرى وعد بلفور , نجتمع تحت رايتها ونحافظ على حقوق أجيالنا لا نفرط بذرة تراب من ترابها المبارك.

ما أحوجنا إلى تقوم منظمة بسحب الإعتراف بـ "إسرائيل" , ووقف البعض للترويج له تحت دواعي المرونة والواقعية السياسية , فالتراجع عن الحقوق الوطنية إنبطاح مخزي , وخيار الشعب والأرض والتاريخ , هو التمسك بالمقاومة كسبيلاً لإسترداد الوطن , فالمقاومة مسلك الأحرار وطريق الشوك نحو ممر النجاة والخلاص من الإحتلال المجرم , لن تعود فلسطين ولن يشطب وعد بلفور الا بالتمسك بوحدتنا ورفع راية مقاومتنا عالية .

كاتب وباحث فلسطيني

1-11-2017م

2017-11-01