الأحد 26/10/1445 هـ الموافق 05/05/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
مرة أخرى...كان ولا زال الهدف هو احتلال غزة...فراس ياغي

لم أتردد للحظة منذ بداية حرب الإبادة في تحديد التوجهات الإسرائيلية الحقيقية من عدوانها المستمر على قطاع، وقلت أن المقاربات الأمنية الإسرائيلية لما بعد السابع من أكتوبر تستدعي خطة أمنية أساسها السيطرة الإسرائيلية التامة وبما يشمل مفهوم "صفر تهديدات"، وهذا يشمل قطاع غزة والضفة الغربية والجنوب اللبناني، ولكن كل جبهة لها ظروفها الخاصة، حيث تنظر للجبهات اللصيقة "الضفة وغزة" بمنظار حرية العمل الامني في كل لحظة وبحيث يعمل الجيش والامن وفقا للإحتياج الامني وما يعنيه ذلك من إحتلال مباشر دون أي مسؤولية مدنية إذا ما توفر وكيل محلي يقوم بذلك، كما السلطة الفلسطينية في رام الله، في حين المحيط كما الجبهة اللبنانية والسورية فالبحث حولها يشمل حلول دبلوماسية ويتوسط الامريكي عبر الوسيط "هوكشتاين" وتحت عنوان تطبيق قرار 1701 والذي تصر إسرائيل على تطبيقه من جانب واحد، وإذا فشلت هذه الجهود فسيكون هناك معركة تبحث اسرائيل  أن تكون محدودة ولعدة أيام لفرض التسوية بما يعزز نظرية "الصفر الأمني"، وبحيث يبقى لديها الحرية لإنتهاك المجال الجوي لكل من لبنان وسوريا، والقيام بما تسميه عمليات الإحباط المسبقة، أي الإغتيال وضرب قواعد أي مقاومة او تدمير الأهداف العسكرية من مراكز أبحاث علمية عسكرية او مصانع او غيرها

على ضوء ما تم تسريبه من وثيقة مباديء نتنياهو المقدمة لمجلس الحرب، والتي يحدد فيها المباديء الاساسية للتعامل مع غزة في اليوم التالي للحرب، حيث يوضح طبيعة النظرة الامنية الجديدة، ويؤكد على أن منطلقات إسرائيل ونتنياهو في واد، والعالم في واد آخر، وحتى خطة أمريكا بمسمى الدولة الفلسطينية من أهم بنودها الأمن ثم الامن للدولة العبرية، فهي منزوعة السلاح والسيادة، وتساعدها قوة حفظ سلام عربية مهمتها هي المساعدة في حفظ أمن دولة إسرائيل، ومع ذلك لم يقبلها نتنياهو ولا مجلس حربه وحكومته

لقد اوضح "نتنياهو" مبادؤه التي يعمل على تحقيقها الجيش على أرض الواقع، حيث جرى ويجري التالي:

أولا- قضية المنطقة العازلة تم تقريبا إقامتها على كافة المحاور الشرقية والشمالية وهدم الإحتلال أكثر من 1000 مبنى حتى الآن وفقا لتقرير منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية، وسيكون عمقها كيلو متر واحد بما يعني إقتطاع 60 كم مربع من أصل 360 كم مربع مساحة قطاع غزة
ثانيا- السيطرة الأمنية، يجري تنفيذها عبر قيامه بشق شوارع عرضية وطولية تقسم قطاع غزة إلى مناطق لعزلها عن بعضها البعض كما حال الضفة، وفصل شمال غزة عن جنوبها، وجعله حاجز ومانع لمنع مليون غزي نزح للجنوب للعودة للشمال وتحت مفاهيم تغيير شكل القطاع ديموغرافيا وجغرافيا ، وبما يمكن الجيش من فرض سيطرته وحرية حركته في كافة مناطق قطاع غزة وسلاح الهندسة في الجيش الإسرائيلي يقوم بشق طريق عرضي "794" من ناحل عوز وحتى ساحل البحر الابيض المتوسط ويقوم بتدمير كل المباني التي تعترضه وايضا تدمير المباني على جانبي الطريق
ثالثا- السيطرة على الحدود المصرية الفلسطينية وهو سيأخذ جانبين، الجانب الاول هو إغلاق معبر رفح من الجانب الفلسطيني بعد إحتلال رفح، والجانب الثاني محور فلادلفيا "صلاح الدين"، عبر خطة مشتركة أمريكية- مصرية- إسرائيلية، دون المساس بما تم من إتفاقات سابقة، بقصد بناء مزيد من الجدران الإلكترونية فوق الأرض وتحت الأرض
رابعا- محاصرة كل قطاع غزة والسيطرة على المنفذ الوحيد الذي لا يقع مباشرة تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية وهو معبر رفح، وذلك لما أسموه تطهير جيوب المقاومة ونزع سلاحها وتدمير الأنفاق

أما خطة نتنياهو لمفهوم الحكم في قطاع غزة التي ستكون مسؤولة عن الامور المدنية وحفظ النظام العام، فهي اولا بعد اجتثاث ما يسميه الإرهاب بما يشمل ليس فقط السلاح، وإنما في أسلوب الحياة ككل، بحيث يتم منع أي تعليم او تربية مناهضة للإحتلال، ومن سيتولى ذلك يكون عبر إدارة محلية او من الممكن لاحقا سلطة رام الله ولكن بمقياس نتنياهو، ولكن في كل الأحوال لن يكون ذلك قبل إجتثاث كامل للمقاومة، وهذا طبعا يحتاج إلى سنين

والأخطر من ذلك كله أن قضية إعمار قطاع غزة غير مطروحة قبل تطهير واجتثاث المقاومة ونزع سلاحها الذي سيأخذ عدة سنوات إن لم يكن أبدي في فكر نتنياهو، وبما يعني ذلك من خطط للتهجير الطوعي والتي ستأخذ أبعاد جديدة لم يعلنها نتنياهو ولكنه يعمل عليها عبر اتصالاته بالدول لإستيعاب الغزيين، وهذه حقيقة هي خطة نتنياهو الحقيقية، فهو يريد إحتلال غزة وعدم إعماره وحشر الغزيين في قرى مخيمات، ومنع المساعدات لسكان شمال غزة بالذات وجعل نقاط المساعدات فقط في تلك المخيمات، أي تنغيص كل سبل الحياة والعيش بعد ان تم تدميرها لأجل فرض الهجرة في عقلية العائلات الغزية

فوق ذلك كله ولاجل نجاح خطته في التهجير، يرفض نتنياهو أي دور لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا، وتحت يافطة أن هناك موظفين فيها شاركوا في عملية السابع من أكتوبر، وأنها تشكل الذراع المدني لحكومة حماس، في حين الحقيقة أن وجود "الاونروا" يمنع التهجير ويكشف ممارسات الإحتلال بتقاريرها المقدمة للأمم المتحدة ، كما كشفت الإبادة الشاملة وغيرها من الممارسات المخالفة لكل القوانين الدولية والإنسانية والتي إستندت إليها محكمة العدل الدولية في قراراتها الأخير التي تدين إسرائيل وتطالب بوقف القتل وادخال المواد الإنسانية من غذاء ودواء وغيرها من القرارات التي لم ينفذ منها شيء

الحقيقة الساطعة التي تعلمها المقاومة، ويقرأها كل مستقريء لعقلية اليمين والمؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية ما قبل وما بعد السابع من أكتوبر يعلم التالي:

أولا- نتنياهو لن يوقف الحرب مطلقا لأسباب سخصية اولا وأخيرا، ولكي يحسن من وضعه في إستطلاعات الرأي عبر حسم الصراع بتحقيق الأهداف والنصر الحاسم، ووثيقة المباديء كل بنودها تنحى بهذا الإتجاه، وبالتأكيد اليمين المتطرف والحريدي سيدعم تلك المبادي، وسيعمل على إطالة الإحتلال العسكري لقطاع غزة والعمل على تسهيل الهجرة الطوعية وحسم الصراع في الضفة والقدس الشرقية
ثانيا- المؤسسة العسكرية والأمنية لها مقاربة امنية جديدة اهمها السيطرة وحرية العمل في الجغرافيا ما بين النهر والبحر بما يشمل غزة وهنا تتفق مع نتنياهو، وهي ايضا معنية بتحقيق النصر الواضح والإنتقام بعد هزيمة تلك المؤسسة وإذلالها في السابع من اكتوبر
ثالثا- أحزاب المركز ان كانت في حكومة الطواريء "حزب غانتس" او في المعارضة، وأحزاب اليمين التقليدي، تتفق مع نظرة المؤسسة العسكرية والأمنية، لكنها مستعدة للتعاطي مع الحلول الأمريكية بعيدا عن مسميات دولة فلسطينية لأن ذلك غير موجود على أجندتها وسيجلب لها الضرر الإنتخابي، حيث الرأي العام الإسرائيلي لا يريد شيء إسمه دولة فلسطينية.

أخيرا، المشهد الإسرائيلي هو مشهد متطرف ويرى الحل بتهجير الفلسطيني، لذلك ليس هناك خيار سوى الصمود والمقاومة، أما الإرتهان للموقف الأمريكي والدولي التابع لأمريكا فلن يجدي نفعا دون إحداث تغييرات عميقة في المشهد الداخلي الإسرائيلي

الخلاصة
بعد ان أتحفنا اخيرا نتنياهو بوثيقته التي حدد مبادءها وبما يخدم سياسته الشخصية وسياسة اليمين الصهيو-توراتي، وبما يتناغم مع النظرة الأمنية للمؤسسة العسكرية والأمنية، فنستطيع أن نلخص الأمور كالتالي:
أولا- كما قلنا ولا نزال نقول، ما بعد السابع من أكتوبر هو حرب إستنزاف وقد تشمل جميع الجبهات ولفترة طويلة
ثانيا- كل الخطط التي تحاول أن تحاكي متطلبات الأمن الإسرائيلي فقط دون الفلسطيني وامن المنطقة ككل لن يكتب لها النجاح وسوف تعتبر مؤامرة بحق الشعب الفلسطيني والمنطقة ككل
ثالثا- الإرتهان للأمريكي وخططه المدعومة إقليميا ليست سوى علاقات عامة لكسب الوقت وفرض امر واقع على الأرض كما يجري الآن في قطاع غزة، وبعد ذلك تعدل تلك الخطط لتناسب الواقع الذي فرضه الإحتلال، وفقط إذا أصبحت تلك الخطط وفقا لقرار من مجلس الأمن "أقصد الدولة الفلسطينية" وبحيث يؤدي ذلك لمشاركة الكل الدولي وعلى رأسها روسيا والصين، فكل ما تعلنه الولايات المتحدة لا معنى واقعي له في ظل مباديء وثيقة نتنياهو
رابعا- لا خيار أمام الفلسطيني سوى الوحدة الوطنية وفقا لبرنامج يتناغم مع قرارات الشرعية الدولية وعنوانه إستمرار مقاومة الإحتلال وبكل الوسائل التي أقرتها هيئة الأمم المتحدة
خامسا- العمل فورا لمنع قيام اي تعاون في قطاع غزة مع الإحتلال وبحيث يكون الإحتلال هو المسؤول عن كل القضايا المدنية، وهذا يشمل التوافق على عدم تشكيل إدارة محلية، بل حكومة فلسطينية متوافق عليها "تكنوقراط" ومسؤولة عن كل الجغرافيا الفلسطينية ولا علاقة لها بمباديء وثيقة نتنياهو، بل ما يحكم العلاقة هي الإتفاقات السابقة اولا، ولاحقا اي إتفاقات جديدة على أساس مفهوم الدولتين

لقد كشفت إسرائيل هذا الأسبوع عن توجهاتها المستقبلية، الكشف الأول كان بالتصويت ب "99" عضو كنبست من أصل "120" ضد قيام اي دولة فلسطينية، والكشف الثاني هو مباديء وثيقة نتنياهو لليوم التالي للعدوان على غزة، وهذا يجب أن يستدعي تدخل دولي واقليمي لمنع تحقيق تلك القرارات والمباديء، وأول خطوة هو موقف فلسطيني وعربي موحد يأخذ أبعاد جديدة بحيث يتم وقف التطبيع والضغط على الولايات المتحدة لإدخال المساعدات لكل غزة بما فيها شمال القطاع الذي يعاني من مجاعة
أعلم أن الوضع الإقليمي غير مساعد رغم أن لديه القدرة على ذلك، ولكن خيارات الشعب الفلسطيني كانت ولا زالت وستبقى هي رفض الإستسلام والتمسك بالحقوق وفقا لقرارات الشرعية الدولية، وهذا لا تنازل عنه، اما وثيقة نتنياهو فسوف تفشل لأن المستقبل هو للشعوب المقاومة وليس للمحتلين وغزة ستكون المقبرة لهذا الاحتلال

الله هو الغالب

2024-02-24