الأربعاء 22/10/1445 هـ الموافق 01/05/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الفعل الفلسطيني المباشر/ حماده فراعنه

دون فعل فلسطيني مباشر على الأرض، في مواجهة جيش الاحتلال والمستوطنين الاستعماريين، يجعل الاحتلال مكلفاً، لن يدفع أصحاب القرار في تل أبيب لحمل أدوات احتلالهم وأجهزتهم ومستوطناتهم، ويرحلوا، والكلفة هنا قد تكون مادية وقد تكون معنوية، بشرية أو مالية أو أخلاقية تجعل الاحتلال ومشروعه منبوذاً أمام العالم، والعالم هنا هو أوروبا والولايات المتحدة وليس إفريقيا أو آسيا أو أميركا اللاتينية.

وبعيداً عن تجارب العالم، والشعوب التي انتصرت وتحررت، بل اعتماداً على ثلاث تجارب للشعب الفلسطيني نفسه، خلال السنوات المعدودة الماضية، التي ما زالت آثارها طرية في ذهن وواقع الفلسطينيين أبناء الضفة والقدس والقطاع، فلولا الانتفاضة المدنية الجماهيرية العام 1987 وهزيمة الاحتلال الاخلاقية أمام العالم وصورته البشعة بتكسير أيادي شباب الانتفاضة لما تراجع إسحق رابين عن مواقفه الصهيونية وسياساته الاستعمارية وقبل فتح المفاوضات غير العلنية مع منظمة التحرير في أوسلو، واعترافه العلني بالعناوين الثلاثة: الشعب الفلسطيني + منظمة التحرير + حقوق الشعب الفلسطيني، والتوقيع على إعلان المبادئ في حديقة الورود في البيت الأبيض العام 1993، وتداعياته وتطبيقاته في الانسحاب الإسرائيلي التدريجي من مدن الضفة والقطاع.

ولولا انتفاضة النفق العام 1996، لما قرّر نتنياهو الانسحاب من الجزء الأكبر من مدينة الخليل العام 1997.

ولولا الانتفاضة العام 2000 لما قرر أرئيل شارون ترك قطاع غزة، وفكفك المستوطنات وأزال قواعد جيش الاحتلال من على أرض القطاع وتركها لأهلها دون رجعة.

ولذلك، لن يذهب الاحتلال، ويرحل، بنداءات السلام ورسائل المحبة وباقات الورود، لن يرحل دون أن يدفع الثمن ويصبح الاحتلال مكلفاً، مثلما لن يتحرر الشعب الفلسطيني ويستعيد حقوقه المسلوبة بالمساواة على أرض وطنه في مناطق 48، وبالاستقلال في مناطق 67، وفي عودة اللاجئين من بلدان اللجوء والتشرد، واستعادة ممتلكاتهم المنهوبة من قبل الدولة العبرية، دون أن يدفعوا ثمن استعادة حقوقهم وكرامتهم ووطنهم.

لا أقول بانتفاضة مدنية ولا أدعو لانتفاضة مسلحة، ولا أقول بالمفاوضات ولا أدعو لوقفها، ولا يحق لأحد من خارج فلسطين أن يقول هذا أو ذاك، أو أن يدعو لهذا ويرفض ذاك، فالقرار الفلسطيني هو لشعب الضفة والقدس فقط، ولا يحق حتى لفلسطينيي القطاع التحدث عن ضرورة تفجير انتفاضة في الضفة أو عدمها، فالقرار لأهل الضفة والقدس وحدهم، وعلى الباقي الفلسطيني من مكونات الشعب الفلسطيني في داخل مناطق 48 وفي قطاع غزة وفي بلدان الشتات والمنافي دعمهم وتأييدهم وتوفير مظلة دعم وإسناد لهم، لأهل الضفة والقدس واحترام خياراتهم، في شكل أدائهم ومضمون فعلهم في مواجهة الاحتلال جيشاً ومستوطنين .

استشهاد عرفات جرادات، وإنتفاضة الأسرى، المتقطعة والمتصلة حرّكت الشارع والضمائر والدبلوماسية، إضافة إلى أشكال الاحتجاجات الأخرى المصاحبة، وهي أفعال تراكمية، لإنضاج الحالة الكفاحية الفلسطينية وتنظيمها وتكييفها مع المستجدات المعيقة وكيفية مواجهتها، ومنها خروج أهل القطاع من الفعل المباشر ضد الاحتلال، وعزل أهل القدس عن أهل الضفة، والانقسام السياسي بين الفصائل، وغياب العوامل الثلاثة التوحيدية الموحدة : المؤسسة التمثيلية الواحد ، والبرنامج الموحد، والأداة الكفاحية المتفق عليها، في غياب هذه العوامل الثلاثة، يبقى العامل الذاتي ضعيفاً ممزقاً وأثره محدوداً أمام قوة العدو وتفوقه.

في ظل هذه المعطيات، يواصل شعب الضفة والقدس صموده ونضاله، حيث بات لأهل قطاع غزة مهمات أخرى ذات طابع محلي بعد أن تخلصوا من واقع الاحتلال جيشاً ومستوطنين، وباتوا مطالبين للعمل على تقديم نموذج وطني للوحدة وللانتخابات وللادارة والتنمية والتطور وفك الحصار، وأن يكونوا رافعة لشعبهم في الضفة والقدس ومناطق 48، لا أن يكونوا عبئاً على أنفسهم وعلى باقي مكونات الشعب الفلسطيني، ولذلك يحتاج شعبنا الفلسطيني لأدوات فكرية وسياسية خلاقة وقيادات حزبية تضع الأولويات وتحدد المسار، لكل مكون وفق ظروفه الحسية القائمة، وفي طليعتها الفعل الفلسطيني المباشر المناهض للاحتلال وكيفية التصدي له ومواجهته .


[email protected]

2013-02-28