الجمعة 24/10/1445 هـ الموافق 03/05/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
في الذكرى الـ 25 : لماذا اغتالوا أبو جهاد ../ بقلم د.مازن صافي

تتسع بنا الذاكرة لنقرأ مسيرة ثورة استشهد فيها القادة والمؤسسين ولم ينهزموا أمام عنجهية الاحتلال وظلم العالم وبقيت الثورة والفكرة جيل بعد جيل وانهزمت اسرائيل حين قال دافيد بنغوريون مؤسس دولة الاحتلال اسرائيل عام 1949  حين قال يجب أن نفعل كل ما بوسعنا لنضمن أنهم (الفلسطينيون) لن يعودوا...سيموت الكبار وسينسى الصغار"  .

لكنها الثورة والانتفاضة الأولى التي أكدت إن الأطفال كبروا وصاروا قادة للعمل الجماهيري والانتفاضي والثوري وكانوا مسلحين بالإيمان بان فلسطين تنتصر .. وكان  حضور الفتية من الجيل الثالث والرابع بعد الانتفاضة يعطينا إحساسا  أن الشعلة لم تنطفئ وإنما تنتقل من جيل إلى جيل".

  ان ما يميز الأخ الشهيد ابوجهاد أنه أسس مدرسة ثورية تعتمد المبادئ الراسخة والمفاهيم الواضحة التنظيمية والحركية من أجل البناء والتقدم وبقاء الثورة متجددة، وأضاف البعد الفكري والثقافي في مفاهيم البندقية والفداء، فلم يكن الفدائي ابن الثورة حاملا للبندقية بل حاملا للحلم والهدف واستيراتيجية التحرير ومتسلحا بالإيمان العميق بان الثورة إنسانية سياسية تخترق كل الحصون وتابى أن تستمر بلا تطور أو تغيير أو معالجة دقيقة للمتغيرات .. لهذا نجح الشهيد أمير الشهداء واستمرت مدرسته حتى اليوم وهي أساس الاستنهاض اليوم في حركة فتح .

لقد أيقن أمير الشهداء أبو جهاد أن  الملايين من اللاجئين الفلسطينيين في المنافي يعيشون في مناف عربية أوروبية أو كندية أو أمريكية ، وأن الجيل الشاب يتميز بصفات موحدة أينما كان، صنعتها ظروف المنافي الصعبة ثم عممت من خلال الأدبيات المزدحمة بالذكريات وتغمرها أسماء الأمكنة والأغاني الوطنية القديمة وصور الأقارب الغائبين تماما والصلات الأسرية والأشياء الخاصة، وفوق كل شئ مفتاح صدئ للباب الأمامي للبيت المفقود الذي لم تراه الأجيال اللاحقة ، لكنه أصبح لها رمزا وهدفا أيضا .


في الذكرى الـ 25 ويبقى السؤال : لماذا اغتالوا أبو جهاد ..
اغتالوا هذا الإنسان الفدائي المعلم الأسطورة لأنه رجل الثورة والمفكر والقائد الذي أوجع المحتل بسلسلة من العمليات العسكرية النوعية والناجحة وآخرها عملية مفاعل ديمونة عام ثمانية وثمانين ،و لما كان له من دور قيادي متقدم كنائب للقائد العام للقوات المسلحة الفلسطينية خلال الغزو الصهيوني للبنان عام 1982 معركة الصمود التي استمرت 88 يوما ،و غادر بيروت إلى تونس مع الأخ قائد الثورة الفلسطينية الشهيد أبو عمار.. ولم يكن الخروج النهاية، بل البداية وتفجرت انتفاضة الوطن فكانت أولى خيوط العودة الى ارض المعركة ، فالتحمت الجماهير مع الفكرة وهندسة التفاعل الشعبي وتطوره وانتقاله من الحجر الى المقلاع الى البيان الى الصمود والتلاحم الجماعي ، لقد ولدت الثورة من جديد ، ولم يعد المنفى هو الحضن بل أصبح الوطن هو الملاذ وهو المخلص وهو بوابة الكرامة الفلسطينية في كل العالم .. فكان أبو جهاد هو المتهم الأول في ترجمة مفاهيم الانتفاضة ليتفاعل معها الوطن كل الوطن .. لقد استطاع أمير الشهداء ان يحول الانتفاضة الفلسطينية الأولى 1987 من حالة عفوية بسيطة الى ثورة شعبية منظمة وفاعلة تقاوم التفوق العسكري الإسرائيلي وتلغي نظرية أن الفلسطيني الغارق في المال لن يعود الى ساحات العمل الفلسطيني .. نعم لقد كانت أفكار الشهيد أبو جهاد إبداعية وخلاقة ، ولهذا كان دائما المطلوب رقم واحد للموساد الإسرائيلي وكثير من أجهزة المخابرات المعادية للحق الفلسطيني ..  فكان قرار اغتياله يتفاعل في دولة الكيان كوسيلة لإخماد الانتفاضة .. لكن اغتياله كان وقودا ثوريا لتستمر وتستمر في الهجوم كما كان يريدها دائما مهندسها وصاحب المقولة الخالدة " " لنستمر في الهجوم حتى نعري عدونا، ونسقط الورقة الأخيرة التي تستر عورته فيغدوا عاراً على أصدقائها، وعبئاً ثقيلا على حلفائه. " .. " .. لهذا اغتيل أبو جهاد في عملية عسكرية معقدة ومراقبة امتدت لشهور طويلة قبل لحظة عناق الروح لأرواح شهداء الثورة الذين سبقوه على درب السرية والفداء وفلسطين .

أبو جهاد خليل الوزير زعيم وقائد وأب وثائر .. إنه الرجل الثاني في الثورة الفلسطينية .. إنه القائد والمعلم والعنوان والكلمة والرقم الصعب.. إنه أمير الشهداء حبيب رفاق الثورة وأخ كريم لكل من آمن بالعمل الفدائي الذي لا ينضب حيث سيد الشهداء أبو عمار وأبو الهول وأبو إياد وأبو علي إياد وممدوح صيدم وعروس الفتح الأخت دلال المغربي ومارشال بيروت سعد صايل وماجد أبو شرار والكمالين .
 
لقد كان رحمه الله سياسيا وعسكريا .. فهو من أسس حركة التحرير الوطني فتح مع الشهيد القائد أبو عمار .. وكان يتولى المسؤولية عن القطاع الغربي في حركة فتح، وهو القطاع الذي كان يدير العمليات في الأراضي المحتلة. وخلال توليه قيادة هذا القطاع في الفترة من 76 – 1982م عكف على تطوير القدرات القتالية لقوات الثورة، كما كان له دور بارز في قيادة معركة الصمود في بيروت عام 1982م والتي استمرت 88 يومًا خلال الغزو الصهيوني للبنان.

ستبقى العاصفة ثورة حتى النصر .. ستبقى الهوية والإرادة .. رحم الله الشهيد القائد أبو جهاد مهندس الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأولى .. والنصر لشعبنا الصامد ..
   رحم الله شهداءنا الأكرم منا جميعا ..

2013-04-17