الإثنين 20/10/1445 هـ الموافق 29/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
نهــايـــة إسرائيـــــل العنــصريــــة/د. عبد الوهاب المسيرى

حينما أصدرت محكمة العدل الدولية حكمها بخصوص الجدار العازل وعدم شرعيته بدأ الحديث علي الفور عن أن هذه هي بداية النهاية باعتبار أن هذا هو ما حدث لجنوب أفريقيا: عزلة دولية تبعتها مقاطعة وأخيرا سقوط النظام العنصري. وقد جال نفس الخاطر بعقل يهودا ليطاني( يديعوت أحرونوت91 أكتوبر6002) الذي حذر من استمرار عزل الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم وحرياتهم سيحول الدولة الصهيونية إلي دولة أبارتايد مثل جنوب أفريقيا, وأنها لن تجد أحد يقف معها أو يري بعيونها ما تراه, أي أن مصير جنوب أفريقيا ينتظر الجيب الصهيوني!.
إن الكتاب الاسرائيليين الذين ربطوا مصير النظام العنصري في جنوب أفريقيا بمصير الدولة المحتمل كانوا علي حق, فنظام الفصل العنصري السابق في جنوب إفريقيا يشبه في كثير من الوجوه نظام الفصل العنصري السابق في فلسطين المحتملة. وكلاهما لجأ إلي العنف والبطش ليقضي علي مقاومة السكان الأصليين. ولكنهم استمروا في المقاومة إلي أن أنهك النظام العنصري وسقط, فعلي مدي قرون تمسك الأفارقة السود, أبناء البلاد الأصليون, بحقهم في المساواة والعيش بكرامة في وطنهم, وقاوموا بكل السبل السياسية والثقافية والعسكرية محاولات إخضاعهم أو تغييبهم أو تهميشهم, وبعد سنوات من الحوار المسلح مع الأقلية البيضاء التي كانت تسيطر علي مقاليد الأمور في البلاد, بدأ العالم يقاطع هذه الدولة وتصاعدت المقاومة, فبدأت الأقلية البيضاء الحاكمة تدرك انه لايمكن الوصول إلي حل دائم من خلال الوسائل الأمنية أو العسكرية, ومن ثم وافقت علي إنهاء النظام العنصري وتسليم السلطة إلي ممثلي السكان الأصليين بقيادة نلسون مانديلا, والذي لم يتنازل مطلقا, حتي في أحلك اللحظات, عن حق شعبه في انتهاج أسلوب المقاومة المسلحة في مواجهة المستوطنين العنصريين.
وشكل هذا الإدراك, وما تبعه من خطوات عملية, إيذانا بظهور نظام جديد استوعب البيض, الذين تحولوا إلي مواطنين في دولة متعددة الأديان والأعراق والقوميات, وفتح الباب أمام الجميع للمشاركة في العملية السياسية والتمتع بالحقوق كافة دون تفرقة علي أساس اللون أو الدين أو اللغة أو الجنس. وكان بعض المستوطنين البيض يروجون للرأي القائل إن نهاية نظام الأبارتهايد يعني العنف وإبادة البيض والمذابح الجماعية والحروب الأهلية وأن نهاية النظام العنصري تعني نهاية المستوطنين البيض ككيان إنساني له حقوق سياسية ودينية وإثنية. ولكن ما تحقق علي أرض الواقع كان مختلفا تمام الاختلاف.
ويمكننا أن نطرح السؤال التالي: ماذا يمنع أن يحدث ذلك في فلسطين؟ أليس هذا هو مصير كل الجيوب الاستيطانية التي لم تبد السكان الأصليين, ألا يعني هذا نهاية إسرائيل؟ ولكن هل نهاية إسرائيل, تعني نهاية الاسرائيليين ككيان إنساني, إثني وديني؟
هنا يمكن القول إن نموذج جنوب إفريقيا قابل للتحقق في فلسطين, فمع تصاعد الحوار المسلح, قد يغدو الجيب الاستيطاني الصهيوني باهظ التكلفة بالنسبة للدول الاستعمارية التي ترعاه, وقد ينال الإرهاق من المستوطنين الصهاينة مما يدفعهم إلي التسليم بأن لا طائل من وراء الحلول العسكرية والأمنية, وأنه لا مخرج لهم سوي التخلي عن عنصريتهم وعزلتهم وادعاءاتهم القومية والدينية. أن تستمر المقاومة الفلسطينية بمختلف الوسائل, وفي مقدمتها الكفاح المسلح, وأن تواصل في الوقت نفسه توجيه رسائل إلي المستوطنين, ولاسيما اليهود الشرقيين وقوي السلام في اسرائيل, مؤداها أن الحل العربي لمسألة الاحتلال الاستيطاني الصهيوني لايعني ذبح اليهود أو إبادتهم, كما تزعم القيادات الصهيونية, وإنما تفكيك الإطار العنصري للدولة, وإنشاء مجتمع جديد علي أسس إنسانية وديمقراطية علي نمط جنوب أفريقيا. إن الدولة الصهيونية تدعي أنها ليست دولة لكل مواطنيها الذين يعيشون داخلها, بل دولة لكل يهود العالم الذين يعيشون خارجها, وهو وضع شاذ لا سند له في تجارب التاريخ أو في الأعراف والقوانين الدولية. وهذه الدولة لاتكف عن الحديث عن حق العودة لليهود من مختلف أنحاء العالم, رغم مرور آلاف السنين علي وجودهم المزعوم علي أرض فلسطين ورغم أن أغلبية يهود العالم لاتريد الاستقرار في الكيان الصهيوني غير المستقر أصلا, ورغم أن مندوبيها يهودون بعض الهنود الحمر في بيرو حتي تجلبهم لتملأ بهم المستوطنات الخاوية, وترحب بهجرة اليهود السوفيت الذين ظهر أن نصفهم من غير اليهود, فنسبة كبيرة من هؤلاء الذين يسمون أنفسهم يهودا كانوا قد فقدوا علاقتهم باليهود كدين وكميراث ثقافي. وتقوم الدولة الصهيونية الآن بتهجير بعض يهود الهند الذين شككت الحاخامية الاسرائيلية في يهوديتهم, وقبلت بهجرة الفلاشاة بعد أن رفضت عام3791 بهجرتهم ونصحتهم بالتحول للمسيحية حلا لمشاكلهم, فعلم الأنثروبولوجيا الغربي يصنف الفلاشاة علي أنهم مسيحيون دخلت علي عقيدتهم بعض العناصر اليهودية, ومن الملاحظ أن بعضهم تأثروا بجيرانهم المسلمين, ولذا حينما وصلوا إلي اسرائيل تحولوا إلي الإسلام, وقد كتب أحد الصحفيين الاسرائيليين مقالا بعنوان الفلاشاة السنيون.
هذه الدولة الصهيونية التي تبحث عن يهود وأشباه يهود وأنصاف يهود ومتهودين وغير متهودين لتمنحهم حتي العودة والاستيطان في فلسطين تنكر هذا الحق علي الفلسطينيين الذين طردوا من أراضيهم منذ سنوات قلائل, والذين يطالبون بالعودة إلي أراضيهم ومنازلهم, لكل هذا يجب أن تترجم هذه الرؤية العربية الجديدة, ذات الطابع الانساني الديمقراطي, إلي خطوات إجرائية محددة, وفي مقدمتها إلغاء قانون العودة العنصري والقوانين العنصرية الأخري مثل دستور الصندوق القومي اليهودي, الذي يعد أحد دعائم الجيب الاستيطاني في عنصريته واقصائيته, حيث تحرم قوانينه علي غير اليهود أن يمتلكوا أرضا يمتلكها ما يسمي الشعب اليهودي أو أن يعملوا فيها, أي أنها تمنع العرب من مواطني الدولة الصهيونية من امتلاك أية أراض تمتلكها الوكالة اليهودية( وهي تمثل حوالي09 بالمائة من أراضي فلسطين المحتلة). والجدير بالذكر أن مثل هذه القوانين العنصرية تحول مقولة يهودي إلي مقولة قانونية, وهو الأمر الذي يؤكد أن العنصرية الصهيونية جزء لا يتجزأ من البنية القانونية للدولة الصهيونية, وهذه هي إحدي السمات الأساسية للجيوب الاستيطانية الإحلالية, إذ يتحول التمييز العنصري من مجرد عمل يقوم به العنصريون المتعصبون إلي ركن من أركان البناء القانوني, يعاقب كل من يتجاوزه أو يخرقه.
ولابد من التأكيد هنا أن تمسك أبناء البلاد الأصليين بخيار المقاومة المسلحة كان العنصر الحاسم في انهيار النظام العنصري في جنوب إفريقيا. وهو نظام دام قرابة أربعة قرون وكان يمتلك عناصر قوة ذاتية ولم يكن يعتمد اعتمادا كبيرا علي الخارج. كما هو الحال مع الدولة الصهيونية, كما أنه لم يدخر وسعا في انتهاج كل أساليب القمع والبطش والتنكيل بالسكان الأصليين. ولعل هذا النموذج يقدم ردا مفحما علي أولئك الذين يقللون من أهمية المقاومة الفلسطينية أو يطالبونها بالتخلي عما يسمونه العنف حتي تحظي بالرضا الأمريكي, وكذلك الذين يرون أن الكيان الصهيوني أصبح أمرا واقعا لاسبيل إلي مواجهته أو التصدي له, ومن ثم لم يعد هناك سوي التعايش معه وقبوله والإذعان لشروط وجوده, والذي يحذرون أن نهاية إسرائيل لا تعني فك الإطار العنصري وإلغاء القوانين العنصرية واستيعاب المستوطنين في الكيان الجديد, وإنما تعني إبادة الاسرائيليين, وهو إفتراء الهدف منه الحفاظ علي النظام العنصري واستبعاد الحلول السلمية المبنية علي العدل والمساواة

2012-07-03