الأحد 19/10/1445 هـ الموافق 28/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
القدس إجتماعياً ما بعد الخطوط الحمراء/ بقلم راسم عبيدات

بدون أية رتوش او مواربه او مداهنة،وبدون ديباجات وشعارات وخطب نارية تتحدث عن الوحدة والتسامح والتماسك الاجتماعي وسياسة النعام،فعلينا ان نقر ونعترف بان الإحتلال يحقق نجاحات وإختراقات جدية على الصعيد الإجتماعي،لجهة خلخلة وإحداث ندوب وشروخ كبيرة في النسيج المجتمعي المقدسي،وعلينا ان نقر بوجود مشكلة كبيرة هنا،حتى نستطيع وضع مخارج وآليات للحل والعلاج،فالخراب في البنية الإجتماعية تتعدى الرأس لتصل منطقة الذيل والأطراف،واخشى أن تصبح عملية العلاج غير مجدية وناجعة بالأدوات والوسائل التقليدية،لتصبح بحاجة إلى حلول ومعالجات جراحية،فالمجتمع ينخره السوس والفساد فيه وصل الى حد المأسسة،ويلعب دوراً بارزاً في الانهيار المجتمعي،وتشريع وتسييد مظاهر السلوك اللامعياري من كذب ودجل ونفاق وتملق ورشوة وغش...الخ، ولقد أصبت بالذهول وصعقت،عندما اتصل بي صديق قديم لدعوتي إلى زيارته،وليحدثني هذا الصديق بألم وحزن ومسؤولية عن مدى تغلل المخدرات في أوساط الحي الذي يسكنه،وما تفعله من تدمير وتخريب ممنهج للفئة الحية من المجتمع(الشباب)،وما يعكسه ذلك من آثار وتداعيات سلبية خطيرة إجتماعية وإقتصادية ووطنية ليس على واقعهم ومحيطهم الإجتماعي فقط،بل على مجمل الواقع المقدسي والفلسطيني عموماً،وفي إطار التصدي لتلك الظاهرة،ولكون مجتمعاتنا مجتمعات قبلية وعشائرية،يقول الصديق شكلنا لجنة من كل فعاليات الحي،لكي تتمكن من التصدي لهذه الظاهرة التي باتت مستفحلة في الحي،وتنذر بعواقب وخيمة على كل سكانه،وقمنا بإبلاغ سكان الأحياء المجاورة بامر هذه اللجنة،لكي يكون هناك علم بان أية سيارة تاتي من تلك الأحياء لشراء المخدرات ستتعرض للتكسير والتحطيم،واللافت والمذهل في حديث هذا الصديق،هو قوله بان هناك اكثر من (400) سيارة تأتي لشراء المخدرات،في غالبيتها من الشباب والصبايا بأعمار الورود،والمأساة هنا كما يقول الصديق،بأن الجميع يشاهد ويعرف ما يحصل دون ان يحرك ساكناً،وكان المسألة لا تعنيه من قريب او بعيد،رغم ان ذلك يشكل خطر داهم عليه وعلى أسرته وأفراد عائلته،وهذا أيضاً نتاج ما يتعرض له المجتمع المقدسي من إنهيار وتفكك و"طحن" إجتماعي وتذويب للهوية الوطنية،وتحدث بمرارة عن غياب العناوين والمرجعيات الوطنية في هذا الجانب،وقال علينا بأن نقوم بمبادرات خلاقة في هذا الجانب،تمكن من حماية واقعنا ومحيطنا الإجتماعي،وبدون ذلك سيصبح وجودنا والحديث عن صمودنا في المدينة ضرب من الخيال وشكل من أشكال العبث، وفي نفس الإطار والسياق،إتصل بي مواطن مقدسي،ليتحدث لي عن مدى "تغولنا" و"توحشنا"و"إستئسادنا " على بعضنا البعض،وان هناك من يرى أن وجود ظهر وسند قبلي وعشائري له،تشريع له لكي يمارس اعمال البلطجة والزعرنة والتعدي على كرامات وأعراض وممتلكات الناس وإجبارهم على دفع الخاوات والرشوات والعمولات،لقاء ما يسمونه حماية لهم.والمأساة هنا بأن الكثير من المقدسيين وحتى السلطة واجهزتها والقوى والفصائل ومؤسسات المجتمع المدني،تعرف جيداً من يقومون بمثل هذه الأعمال ومن يوفر لهم الحماية ويسهل لهم القيام بمهامهم واعمالهم،ولا تحرك ساكناً تجاه ذلك،والغريب كذلك ان تجد العديد ممن يدعون انهم صفوة وقيادة هذا المجتمع، جزء منهم منخرط بشكل مباشر في هذه الأعمال والممارسات،ولكن لا احد يجرؤ على قول الحقيقية او التعرض لهؤلاء،حتى لا يلحق به وبأسرته وعائلته الأذى،لشعوره بعدم وجود من يحميه او يدافع عنه في حالة كشفه للمستور وقول الحقيقية،وانا أفكر مطولاً،كيف لنا ان ننتصر على عدونا،او نستطيع تحرير بلدنا ووطنا،ونحن غير قادرين على تحرير ذواتنا وانفسنا؟.
نحن مجتمع تائه ومتخبط لا قيم ولا اخلاق،ونرجع كل ما يحدث لنا للإحتلال،او البعد عن الدين،ولكن لم نسأل انفسنا،لماذا الكثير من المجتمعات والدول،التي لديها فصل للدين عن الدولة متقدمة علينا في كل المجالات مئات السنين،حتى في القيم والأخلاق؟، وكذلك فهو أفضل طريقة للهروب من تحمل المسؤولية والشماعة الجاهزة التي نعلق عليها كل اخطاءنا وسلبياتنا،لأنه في إعترافنا بوجود سلبيات واخطاء وخطايا عندنا،سببها الجهل والتخلف وإنعدام الوعي،ومفاهيم ومواريث إجتماعية بالية وبائدة،سيلقي علينا مهام ومسؤوليات للعمل والعلاج،الكثير منا لا يريد ان يتحملها او يقوم بواجبه تجاهها،فنحن مجتمعات تربينا على الاتكاليه والخلاص الفردي،وانعدام المسؤولية تجاه الهم العام،حيث لا نتورع عن البناء ليس على أرصفة الشوارع،بل وإحتلال مساحة منها،لا نرمي القمامة في الحاويات على الغالب،بل نقوم بحرقها بالقرب منها،او في الشارع والطريق العام،ولا نكترث لما تخلفه من آُثار بيئية وامراض علينا،ونبقي سماعات أفراحنا وإطلاق "فقاقيع" إحتفالاتنا واعراسنا حتى ساعات الصبح الأولى،دون مراعاة لطفل أو شيخ او مريض أو ما تسببه من إزعاج للآخرين،تربينا على سياسة التسول"والشحدة" والندب والبكاء والمظلومية،لأن ذلك يعفينا من العمل،من اجل تغيير واقعنا ونمط حياتنا وسلوكنا.
الإحتلال تحديداً في القدس،نجح في تدمير وتخريب بنيتنا ونسيجنا المجتمعي،كما حصل في العديد من المدن المختلطة في الداخل الفلسطيني-48 – حيفا ويافا وعكا واللد والرملة،أغرقنا في المشاكل والأمراض الإجتماعية،مخدرات،احتراب عشائري وقبلي"طوش" وحروب داحس والغبراء،نخوضها على أتفه الأسباب والخلافات الإجتماعية،أصبحنا نستسهل القتل وإزهاق الأرواح أيضاً لأسباب تافهة،بسب غياب الردع والمحاسبة والمسائلة.الحلول والمعالجات،بحاجة إلى عملية توعية شاملة،من تحت إلى فوق،وعبر تشكيل لجان مختصة،في كل القرى والأحياء والحارات،لجان تعتمد برامج علاجية جدية،وتمارس دورها على ارض الواقع،متسلحة بموقف وطني،فاللجان الشعبية في الإنتفاضة الأولى،شكلت قيادة فعلية للمجتمع المقدسي،في كل مناحي وشؤون حياتهم،والعودة لذلك أصبح ضرورة ملحة،ولكن هذه اللجان،يجب ان تاتي كإفراز ونتيجة لتوافق وطني ومؤسساتي مقدسي عليها،وهذا يتطلب وجود قيادة مقدسية صلبة،تأخذ على عاتقها حماية النسيج المجتمعي المقدسي من الإنهيار والتفكك،لأن في إنهياره وتفككه خطر جدي على الوجود المقدسي في المدينة لجهة تهويد الأرض وأسرلة سكانها،وأيضاً الكل في موقعه يجب ان يكون مسؤول ويمارس دوره في هذا الجانب،المؤسسات والمرجعيات الدينية،والمثقفين والأكاديمين،لجان الإصلاح العشائرية...الخ.
وكل ذلك بالضرورة ان يترافق مع حملات توعية وندوات ومحاضرات في الأندية والمؤسسات ودور العبادة والمؤسسات التعليمية،مدارس وجامعات،والمؤسسات الصحية،ولكن يجب ان تكون هناك مسائلة ومحاسبة وردع في هذا الجانب.

القدس- فلسطين

2013-08-19