الثلاثاء 21/10/1445 هـ الموافق 30/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
فوضى غير خلاقة .. التعايش مع الامبريالية كذبة يجب التحرر منها/ د.مصطفى سالم

إن طوق من الدول المضطربة هو الذي سيمهد الطريق لنمو دول مفتتة وظهور قوى لا يوجد ضمن مبادئها ما يسمى بالسيادة

ستعمل واشنطن من خلال حلفاءها القدامى والجدد في القاهرة على وضع السعودية في حجمها الحقيقي

لم تحتاج واشنطن لتبرير تسليمها الحكم لأتباع إيران في العراق إلى كل دول الخليج العربي المعادية لإيران والمؤيدة للغزو

الفصل بين الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية كان مدخلا لتسليم الحكم للتجار ورجال الأعمال والجنرالات وقوى سياسية رجعية

 

قد يبدو السؤال حول أسباب سعي الولايات المتحدة بوصفها دولة امبريالية لعدم القضاء التام على  النفوذ الإيراني في سوريا منطقيا، لكن موقفها ينسجم مع كونها من نسّق وخطط من اجل مد النفوذ الإيراني إلى العراق، كما خطط لإسقاط الشاه في ربيع تم تحويله إلى إسلامي طائفي.

ولعلنا نتذكر كيف رفضت هيئة الإذاعة البريطانية أن تمتنع عن كشف الخدمات السرية للشاه حين طلب منها ذلك أثناء بدء الاحتجاجات في إيران حتى لا تحترق صورته أكثر، وكيف امتنعت واشنطن ولندن من تزويده برصاص مطاطي حتى لا يسقط قتلى ويزداد السخط عليه بحجة عدم توفره لدى الدولتين!

لكن هناك فيما يخص النفوذ الإيراني مهمة أخرى تتعلق بالإستراتجية الأمريكية و تحجيم دور الحكم السعودي الذي لم يبخل في المشاركة في أي عمليه أمريكية ضد الأقطار العربية والإسلامية وبقية الدول.

كان الربيع على طريقة الاستعمار الأصعب تحقيقه في الشرق الأوسط هو في العراق لذا اضطرت واشنطن لغزوه، بينما نجح هذا الربيع  في إيران عام 1978 ومصر وتونس بدون الحاجة لغزو، وفي ليبيا نجح عن طريق الناتو، وساهمت في إطالة أمد حكم بشار الأسد لنفس الأسباب التي استعجلت فيه إسقاط نظام الشهيد معمر القذافي.

الفوضى في ليبيا وسوريا هو مفتاح الحل الأمريكي، وهو ما حدث في العراق بعد الغزو عام 2003 على يد ميلشيات شيعية قام بتنصيبها على رأس الحكم على الرغم من ولاءها لإيران.

إن طوق من الدول المضطربة هو الذي سيمهد الطريق لنمو دول مفتتة وظهور قوى لا يوجد ضمن مبادئها ما يسمى بالسيادة وهو ما حصلت عليه في حكومات العراق ومصر وتونس وليبيا واليمن.

وحقيقة ان الاقتصاد العالمي ستحركهُ هذه الدول المفتتة، التي ستوفر أيضا غطاء لطرد مصالح الدول الكبرى المعادية لواشنطن.

ومن الخطأ الاعتقاد ان هناك محورا أمريكيا مع دول مثل السعودية أو مصر لان هذه الأنظمة لا تملك مقومات تتعلق بالأهداف، بل هي تنسجم مع الأهداف الأمريكية حتى لو كان ذلك على حساب الأمن القومي. وهي أنظمة على أي حال غير شرعية.

وتجربة العراق تفضح ذلك، إذ لم تحتاج واشنطن لتبرير تسليمها الحكم لأتباع إيران في العراق إلى كل دول الخليج العربي المعادية لإيران والمؤيدة للغزو، بل إنها ألزمتهم بالاعتراف بالحكم وشطب ديونه.

وبشكل واقعي لا يوجد أنظمة أهدرت المال من اجل إسقاط وغزو واحتلال دول عربية أخرى مثل بعض دول الخليج العربي التي اصطفت دوما مع الشيطان الأمريكي رغم حرصها الدائم على الظهور بالالتزام الديني وكأن الإسلام حلل الخيانة والتأمر.

امتداد النفوذ الإيراني إلى البحر المتوسط عبر سوريا وحزب الله كان أمرا أمريكيا مقصود أقصى النفوذ السعودي من هناك. ولهذا كانت واشنطن حريصة على منع العراق في فترة حكم الشهيد صدام حسين من استيراد حتى أقلام الرصاص أثناء فترة الحصار 1990-2003، بينما كانت تغض النظر عن تسليح حزب الله رغم قربه من الحدود مع فلسطين المحتلة.

سمح حصار العراق غير المسبوق في العالم من استكمال غزو العراق في مدة قصيرة.

 

مصلحة فوق الجميع

المصلحة الأمريكية لا تعتني بمصالح الدول التابعة، بل هي تعنى في كيفية أن ينسجم الأتباع مع المطالب الأمريكية.

ومع إن واشنطن شجعت انقلاب السيسي وتراخت في تحجيم الدور السعودي في مصر إلا أن لهذا الأمر أسباب مختلفة تتعلق بحاجة واشنطن لاستعداء التيار الإسلامي ضد دول الخليج العربي وضد الجيش المصري. ومن ثم ستعمل واشنطن من خلال حلفاءها القدامى والجدد في القاهرة على وضع السعودية في حجمها الحقيقي، بل وحتى اقل من ذلك.

والانقلاب هو فخ نصب لهذه الدول من اجل أن تصنع عدوها الذي ظل طوال بروزه على صلة طيبة مع هذه الدول فيما كان على خلاف مع الأنظمة الوطنية ذات الخطاب غير الإسلامي، بل ان تمويله ظل لفترة طويلة يتم من خلال أنظمة دول الخليج العربي.

احتجاجات لا ثورة

الإستراتجية الأمريكية نجحت بالفعل في إفشال تحويل الاحتجاجات العربية إلى ثورة، ونجحت بالفعل في الاستحواذ على احتجاجات لكي تكون غطاء لتدخلها كما في ليبيا.

ومما ساعد في هذا النجاح هو عدم دخول تحقيق العدالة الاجتماعية والديمقراطية والحرية كحزمة واحدة كشرط لمن يتولى مقاليد الحكم بعد ما يعرف الربيع العربي.

وقد اتضح إن الجماهير التي خرجت احتجاجا تم خداعها من اجل أن لا تكون مهمتها من اجل العدالة ولا حتى من اجل الحرية، بل لتؤدي عرضا سياسيا يتصف بالسطحية.

وحرف مسار الاحتجاجات في تونس ومصر واليمن وسوريا لم يكن مصادفة تاريخية لان هناك خشية كبيرة أن تتحول من احتجاجات تسقط حكومات إلى ثورة تقيم أنظمة جديدة.

وهي  لحظة انكشفت فيها المؤسسات العسكرية والأمنية وارتباطها بالخارج، وانكشف بشكل أكثر فضائحية القوى السياسية التي سمع لها صوت خلال وبعد الاحتجاجات التي لم تكن صناعة لها أصلا، وهي قوى أرعبها أيضا أن تتحول الاحتجاجات إلى ثورة .

إن الفصل بين الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية كان مدخلا لتسليم الحكم للتجار ورجال الأعمال والجنرالات وقوى سياسية رجعية.

وشرط أساسي لنمو الأنظمة الوطنية الاشتراكية العادلة والديمقراطية بناء كتلة من شرائح المجتمع لانطلاق الدولة الجديدة، وهذا ما لم يحدث ولا يبدو انه سيحدث.

لقد انتكست تجربة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بسبب التباطؤ في بناء هذه الكتلة، وهو نفس السبب الذي أرهق تجربة العراق في عهد الشهيد صدام حسين وهو نفس السبب أيضا الذي مزق تجربة الزعيم التاريخي هواري بومدين.

وبشكل عادل كانت نظرية بناء الدولة غائبة لان النظام نفسه لم يضطر لاستنهاض كتلة تمثل شرائح المجتمع وفق أسس ديمقراطية .

الإخوان أداة

وقد يكون الدعم السعودي للإخوان في سوريا ومحاربتهم في مصر تفسيرات مختلفة، لكنه يتعلق بنقطتين أولى هو الانسجام مع الإستراتيجية الأمريكية، وثانية إن نظام بشار الأسد لن يجد هناك أعداء أكثر إصرارا على إسقاطه من الإخوان وهو ما يتطلب عدم معاداتهم هناك ولو مرحليا. كما إن وجود الإخوان هو دعم للصراع في مرحلة ما بعد الأسد.

وجماعة الإخوان مثل كل معظم القوى السياسية تعاني من اختراقات من مخابرات غربية وعربية، و إدارتها لبلد عربي كبير مثل مصر يمكن قراءته بأنه مفيد لواشنطن من زاوية احتواءه للتيار الإسلامي، وخطيرا عليها من جهة كونه سيعزز من استقلالية التيار في دول أخرى وصولا لارتباطه بالحكم المصري الاخواني.

إن إضعاف التابع والخصم في واشنطن يعتمد بشكل واضح على إن التابع سيكون أكثر حاجة لها واشد في إظهار الولاء والخدمات، بينما الخصم العربي لواشنطن يحاول في أزماته إظهار رغبته للتعاون معها حتى من خلال مهادنة أتباعها في المنطقة، إلى أن يتم الانتهاء من كل الوسائل التي تؤدي لتهميشه وإضعافه أن لم يكن تدميره. لأنه أساسا لم يبني كتلة من شرائح المجتمع تكون لها مهمة تاريخية في إدارة الحاضر وصناعة المستقبل.

ان اعتقاد البعض بوجود إمكانية للتعايش مع الامبريالية ليس إلا كذبة واكبر خداع يمكن التعامل معه، ولكن التقليل من أضرارها لن يكون مجديا إن لم يبدأ من الشارع.

2013-09-11