السبت 25/10/1445 هـ الموافق 04/05/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
هكذا تكلم الصلصال الأول" تأملات في ماهية الوجود"/ محمد زرهوني

على حافة غيم مترع بشهوة تسونامي درب طويل ، و هذا الأنا يصعد سلم البوح في اشتهاء لألم في خاصرة الصلصال الأول منذ اشتهى تفاحة أينعت في ساحل الكبد ، و لأني أحمل جينات الوالد الأول ، ها أعيد سيرته بلغة أخرى ...
تعولم الصلصال و الحمأ ، الأنا ، و امتطى الطفل الصغير سفينة من رمل متحرك خطها رسما على صفحة دمه ، و لأنه لم يدرك أن رقص المدى أوغل في دغل الروح ، راح يسكب قهوته من شرفة في درب التبانة عله يعرف كيف يواري سوءة ظله .
بذر في خطوط يده وهجا ، سقاه برضاب فجر جديد ، رعاه بترنيمة موسيقى خطوه ، و في المساء يدلل النجوم و يناجي بدر الغياب ، غير أنه كلما امتدت يداه تحلب من نجم نورا يزين تنورة صلصاله قادته لحتفه.
هذا الأنا منذ الأزل يعيد سيرة آدم و التفاحة ، كم يلزمه من عمر ليسترد نخوة السمو ؟؟ !! كلما مددت يدي في جحر رغبة جامحة ، صعقتني تفاصيل غيم شارد يذيب أبجدية الجسد و ينحت في روح صلصالي شروخا لا تندمل .
تسكنني وحشة الصحراء و ريبة عصفور يتهجى التحليق ، و خوف فلاح رمى حبه في قارعة صخر حيث المطر لا يسقط إلا خطأ .
هذا الأنا نذر قديم ، وجود في هوس الفكر ، و ربما طيف آخر لوجود مندثر ، علمتني لغة السهو أن الحاضر مستنسخ ، و الوجود  صورة لعالم في ضمير الغيب ، و هذا الصلصال مفبرك ، ندخل الواقع بأسماء مستعارة ، أما الشكل و الجسد ، تلك أمور مستحدثة ... أشعر بأني متعدد في الشكل ، يتيم في المعنى ، فلما كنت طيرا اصطادني القناص ، و لما كنت شجرا كان الحطاب بفأسه يستأصل الخلود ، و لما كنت ماء أسقي الصلصال كان اضطهاد القوارير ، و لما كنت هواء كان الدخان يعج في رئتي ، و لما كنت حبا كانت الطواحين و كان الخباز ،   و لما كنت .. لما كنت ..
في لجة هذا الهذيان أردت أن أكون حبا فكان السجان ...
أحرفا أكون ؟؟ ربما .. هو منفى الوجع
متعدد هذا الأنا ، فلم الألم يسكن الطين ؟؟
طبعا ، وجود الصلصال مرتبط بالألم ، فحين دحرج المبدع الأكبر هذه الروح و اسكنها جسدا من حمإ ، سقاها بحمى ضلع و طفق ينسج لغة الجنة على مزمار جهنم ، عزازيل ، فهم المعنى و راح يسكب على روح الصلصال عطر المودة ، يشرق حينا في جبين الأنا  و يرسم حينا عاطفة الجلالة في الضلع ..
الصلصال الأول ألغى لغة الوساطة ، وراح يرصع البياض ، يقطف نذرا آخر ، يمر في تجاعيد ألم ، يصنع فلكا لرحلة طويلة تمتد من مخاض نطفة إلى ترنيمة قبر ، يشدو في مغارة التأريخ ، للرحلة يا أيها الأنا طقوس أخرى ، و للفراغ طقس آخر للموت ...
و ركبت موجة المجهول ، كيف لي أن أرمم ما هشمته الذاكرة     و مرايا الجسد المشطور تجهش بالبكاء على طين تهجى التفاح لحظة التجلي على موائد غيم يرتل سماجة صحراء تبيض في مقل العابرين ثمرا من شجن ينوح وحدته الخالدة .. تلك لغة موت مؤجل تعتري صمت الجهات و تعزف موسيقى بحر أثخنه المد و الجزر ، ..
تناقض الصفات أيضا موسيقى أخرى في خصر الصلصال ، وجع آخر يرنو في دفاترنا اليومية ، في خبزنا الذي تعجنه الأمهات بدمع مالح و في أغنيات نساء بحارة تنتظرن عودة الفلك المزعوم .. عمر كامل ، لحظة أخرى في ثني الوجع ، في رقص المدى ، في أرجوحة قمر أينع كما التفاح الأخضر في صدر صبايا يخطب ود آدم ،.. آدم ، الصلصال الأول ما أكل التفاحة ، لكن يد الغيب امتدت و كانت حكمة الزلزلة الأولى فألقى عصا التجلي في رحلة تيه أخرى ، في وجع آخر ...
في رحلة التيه الأول ، مشطت تجاعيد الأرض ، .. الأرض تلك التي دجنها الصفصاف و راقصها الماء .. ما عدت أذكر رقصها         و شدوها الماكر ... المهم أن البحث طال حتى أدمت زغردات الصخر فكر التمني المؤجل ، رحلة أخرى أيها الجسد المشطور و تكتمل الحكاية، تحمل وجعا آخر علك تقتات على لغة بحر شارد ، تلوك تفاصيل بعث جديد أو صعود آخر في سلم التشظي ، امتطاء جديد لحوافر غيم ينسج قبعة من هواء لرأس أثقله التفكير ..
خالي اليدين ، إلا من عصا يهش بها على النجوم كي لا تحمل الرعاة لحتفهم .. و أجراس الكواعب تنير دربه الطويل ،.. راح الأنا ينزع بردة التعب ، يلوح بعصاه للبدر ، يكشف عن ساق الجبل نقع الغواية ، يستحلب الرمل ليسقي عطش الروح ، .. الروح الثكلى ، الوجع الأبدي ، و حلم العناق الشارد من طقس التعميد الأول ، و من ورق الجنة اليابس الذي اسقط التفاح من نعيم الألم إلى صلصال الوجع .. تطول هذه الرحلة / المأساة ، البحث المستمر عن غسق يريح و يزيح بعضا من غدر الفكر و وسوساته الخطيرة الموغلة في دغل الجسد الشارد عن أيقونة تشع في الجبل القصي حيث الرحلة دهليز و مغارة لغزل الدم المراق على تلابيب ذئب لم يأكل جوزيف ..
خطوة تلو أخرى ، و يضيع الأثر ..
الليل و النهار ، الشرود و الضياع ، لغة أخرى ، استنساخ آخر لتيه جديد .. تتساوى في شروخ الصلصال الأول. و هذا الأنا يتبع خطو السهى و الفراقد في اتجاه دائري يعيد للمعنى سيمفونية البدء .. و البحث الطويل عن شطر.. أضناه ، قدماه ركن قصي في ملامح العبور الأكبر، أما الوجع فلازمة تنشدها الروح بفرح .. كم يلزم من زلزلة لتدمي النخل على قارعة الطريق ؟؟ و على  الجدار المبتلى بتصاريف رسم خطته حكاية صلصال تعرى ؟؟
أغنية شاردة ، رقصة في دورة كاملة ، شغف في شحذ الحجر      و ترصيص اللبنات ، شهقة غيم تهجى الدفلى حلما آخر يزهر في لهيب الأنا ، ..
دجنت الوجود ، صنعت النار لأحرق ذاتي ، امتطيت النعل و فقدت انتمائي .. ترى هل تكفي وساطة الماء بيننا لتزهر الضلوع ؟؟ حكمة الوساطة في تصريف المدى احتكاك الذاكرة بقبعة الإخفاق في نفق الجسد و الروح المار من مرارة الصدى نحو تجاويف مغارة اليأس في البحث الطويل عن سر الوهج في شمس الخطيئة الوارفة ...
مددت يدي لأقطف الشمس من منبتها ، صعقتني رؤى نذر و ألقت في دمي خصلة مشتعلة تحرق فكرة التدجين ، تفتت لغة الحجر و تثير أسئلة الوجود و مكر الورد في خدعة جليلة تلبس جبة الخلود ..
تجلى الأنا خلخالا من فزع ، رهبة النار صقيع يا أنا ..
...و صنعت الفلك لأبحر بين النجوم ، أرمم طيات زمن غادر ، أمارس فعل صائغ جيد ، أقطف الوهج لأصنع حلية لضلعي الشارد عن تمتمة الروح و وجع المعنى الموغل في الذاكرة كنصل يتهجى رقصة القتل الأولى و فتنة النشاز في عزف منفرد .
حزانى دروب دمي ، فراغ موحش و عوسج يسكن فكرة المرح ، دمي المراق على صلصالي أنشودة غيم و تجاعيد أديم تراقص غرابا يخبز قمحا بذرته في موتي و أينع سنابل تستحم بحزن دافق ، في كل سنبلة ألف شرخ و ألف جرح آخر ينتظر في طابور المعنى ، كناري وحيد في حنجرتي يجيد الصمت ، يقف مثل نزق على الركح يحطب الخواء من موسيقى صامتة ، يجيد الرقص على حبل الوجع و يموت واقفا في صمت الغياب ...
الموت .. فكرة أخرى ربما للخلود ، منفى آخر للصلصال ...
في سفر الأنا ، مررت بتفاصيل غيرت مجرى الدم ، سكبت من رحيق الجمال بعضا من بوح الضلع ، و لما كان السبات الأعظم في جحر التاريخ ، استيقظ الحفيف النائم في أحشاء الصنوبر ، دحرج الأنا نرد الوجود و اعتلى سقيفة السماء يتلو شعر المنسيين ، كم راح يردد على مئذنة الغيم تفاصيله الصغرى و على شهوة جرس الممكنات و منازل القمر المسبي في الصلصال انشد وهج الرمل و مضى في غفلة من ظله يرسم الجوكندا مبكرا بابتسامتها الخادعة .
الابتسامة مجرد مكر يرنو للذاكرة ، و لجام لفم الوجع ..
في عز آلامه تذكر صلصالي سؤال الحيرة الأولى ، سؤال الوجود و جدواه ، خدعة التفاح ، و لعنة الضلع ...
النزول كان صعودا في درج الغواية ، و الأنا في لجة احتراقه أراق ماء البداية في بئر ينز بالخطايا ، كان أن رمى بفاتحة البوح في بلعوم ناي شريد ، تغنى بأنشودة غراب يقفز على أديم صلصاله ..
رمى المبدع الأكبر بصلصالي في تغريبة أخرى ، وجود بحجم منفى يراود حلما ينمو في الخاصرة ، لم هذا القدر من الحرمان لهذا الفخار الذي أينع على نار مستعرة ؟؟؟ تأتيك استعارات ، أسئلة ، تشعر بالحنين لشجرة الخلد و النعيم ...
الأنا ، يطوف على تلابيبه في حيرة البريء و دهشة المجنون ،     و يطرح سؤال البدء ، لو كان الصعود و البقاء .. لو خيرت بين التفاحة و الشجرة أكنت أعيد التجربة ؟؟ !! ، أعيدها .. لا أعيدها ..
متى ينضج شغب الفكر ليزاول لغة التشظي و لعنة التكرار ؟؟؟
النزول و الصعود سيان .. فهم آخر للعبة .. الصلصال الأول فهم المعنى ، كلما كان الارتقاء كانت الصدمة ، أما النزول لوجود مستنسخ ذاكرة أخرى ، فكرة مستحدثة ، تماهي الروح مع الجسد ، نطفة في رقصة وصل تبغي دهشة الضوء ..
الصلصال الأول ، أعني الأنا ، كلما مرت عليه الحوادث يلعن ظلا خانه ، يلعن من وسوس له حسب اعتقاده السطحي للوجود ، لكن حقيقة الأمر انه لا دخل لظله المرابط في كبده ، أقصد هنا عزازيل ، ففعل الغواية يسري في نطفته الأولى ، في عجينة صلصاله المخلوط بلغة وهم ساذجة للطبيعة ، مراتب المعنى خروج من عتمة الفراغ و انصهار في التعدد ، دخول في لعبة مزدوجة يلفها شغب دائري ..
دحرج المبدع الأكبر نرده ، و ألقى في مضغتي جبروتا  و في فكري أرسى مبدأ التوازن بين الجسد و الروح  ، قلم الصلصال أظافر الليل و أرخى ضفائر الضلع في شهوة شمس شبقية .. لملم بقايا خطوه   و راح يكتب على جبين النخل حكمة الريح حين تراقص بأنغامها سعف الوجود ، هنا تبنى فهما جديدا لذاته ،..
الذات ، هذه المادة التي تحمل اللذة في كل حركاتها ، في شكلها المنسوج بروعة متناهية ،.. تستطيع الذات الصلصالية أن تحمل المعنى لحدود الشك ، إبداع باذخ ، جمال يخرج من نواة غيبية لا ترى إلا بعيون المنذرين للرؤية الأخرى ...
تستطيع الذات أن ترى نفسها متعددة في نفس المرآة ، و لأن المرايا ليست لها ذاكرة ، تستطيع هذه اللذة أن تلملم أجزاءها في أيقونة واحدة ..
و لما كان التعدد في الصلصال يوازي آلاف الزلات ، راح ينسج بمكر اللغة قوانين تمسك بلعوم الفكر و تحد من حركة الخطو لتزيد الرحلة الطويلة وجعا ، الألم محو آخر للذاكرة ، كيف يستقيم معنى الصلصال دون ألم ؟؟؟ تلك رغبة أخرى ، جبروت آخر يرمي بي في نفق مظلم لا حدود له .
و يستمر الخطو ، النقش في مرايا الجسدروح ، تتكئ القوانين على جداري ، و الألم لا يراوح مكانه ، و في ذاكرتي تشويش متعمد لأضيع في تخوم المعنى ...
طال البحث عن ضلعي المفقود ، راحلتي أتعبتها الخطى ..
لا مجال للتراجع الآن .. فقد سننت القوانين أيها الآنا ..
الذاكرة وشم التعري يوم تحسست تفاحة الخلود ...
و لأن الرحلة طويلة جدا في هذا النفق ، حمل الصلصال على راحلة كتفه زاده ، سن بلغة رصينة ، و ببلاغة ترتقي للجلالة ، مسار رحلته ، قانونه الذي لا يزيغ عنه إلا هالك .. طريق واحدة تكفي ، يمينك يمينك  و لا تلتفت ، لا تنظر في مرايا الماء حتى لا ترى وجها آخر ، وجعا آخر يفزعك ...
و لأن خبث اليمين أنك كلما تقدمت خطوة إلا ومشيت على شكل هلال ، و لما كانت المسافة طويلة ، كانت الرحلة دائرية ، حلقة مفرغة يلفها وجع التفاحة التي لم تؤكل ...
اليمين ، و ماذا يفعل الصلصال باليسار ؟؟ ..
حكمة التشظي في الصلصال تسكن الأنا منذ النطفة الأولى حيث قبضة المبدع الأكبر كانت شاملة لعناصر الوجود ، أما العنصر الخامس فقد تم اكتسابه بالتجربة المتواصلة في رحلته الدائرية و التي أدمت ذاكرته و تركته في حيرة السؤال الأول عن سبب الوجود ، لم النزول فالصعود؟؟ .. و لم هذا الزخم الكبير من الوجع الذي لا يفارق الكبد إلا ليعيد الكرة و يوسع الجراح حتى لا تندمل ؟؟...
العنصر الخامس ، التجربة ، هي أيضا لعنة أخرى ...
أما آن لي أن أريح راحلتي ، و أجدد زادي المبتل بلغة النهي ...
القوانين و ضعت لتخرق .. و ما تبقى يشرحه الضلع ..
و كان اليسار ،.. اختيار آخر ، قانون سنه الصلصال الأول و راح يمشط في زهو ضفائر شمس جديدة ، ألقى عصاه ، شارك تعدده المترع بشهوة السمو بعضا من زاده ، وزع ترانيمه على النجوم و ساوى بين الليل و النهار .. و في دهشة غريبة راقص القمر على حافة الكون       و مضى يرسم المعنى على ضفاف الشهقة ...
و لأن الجبروت لغة أخرى في خاصرة الصلصال ، أنهك برقصه الأقمار و استنزف لذة الشمس و هي تحيك للغيم قبعة التجلي ، تراءت له قوة عظمى في مقلتيه حتى أبرقت شفتاه من فرط دهشتها ، فأماط اللثام عن وجوده ، فجر ذاته و أذل خطوه ، أخرج من حكايته و رحلته الطويلة أنغام الخطو و بصمات حوافره ...
زلزل الرؤى ، و غير كنه التشاركية ...
موت مؤجل ، وجع يسكن أطلال الصلصال ..
مر الصلصال الأول في رحلته بدروب ترتعش من فرط ثقل مداس القادم الجديد ، من صوته الذي يزلزل الأحشاء و ينشر مكر الغواية في موسيقى أزلية .. كلما غاص في حلم الوجود إلا و ترك مكرا جديدا لفه بثوب الحكمة .. مكر الأنا نابع من لعبة المد و الجزر حيث نحت الابتسامة خارج من دغل الوجع و الألم الساكن دهليز الصلصال ...
الأنا .. هذا المراوغ الخطير لتفاهة الوجود الموغل في ذاكرة الضياع ، يرنو في سفره لمحو سر خيبته الأولى ، لدهشة خلقه و سبب كينونته ، لمعنى التيه الذي يحمله في بحث مضني عن ضلعه ..
في تكوينه البدائي يعرف الصلصال سر قوته المتجذرة في وجعه ، دائم البكاء ، ضعيف حد الصراخ من رعشة تعتريه ذات نوم .. لذلك استوحش في بيدائه و راح يرنو للجمال ، و كان أن كان ضلعه المنسي ينصت في دهشة ممزوجة بالشك .. فانبرى وجودا آخر ، غصة أخرى تخرج من حلقه لتريه هذا الوجع بأشكال مختلفة و لتكتمل الرؤيا من زوايا متعددة لمعنى الألم ، و معنى التيه و البحث في متاهة الروح       و الوجود المفبرك و المستنسخ من فكر شارد عن حقيقة الصلصال ...
و لما خرج الضلع من حلقه ذات نوم ، أهداه تفاحة لم تكتمل لذتها ، علقت في بلعومه و راح يصرخ من شدة الصدمة / الوجع ، لذلك و منذ الأزل يسكن الأنا هذا العطش للبحث عن ضلعه المفقود ليعيده لخاصرته المترعة بشهوة الامتلاك ...
أ يريد هذا الصلصال أن يعيد الكرة ؟؟ .. ربما يبحث عن خلاص آخر ، حيث يعود كل شيء للذات الأولى ، للمركز الذي يطوف عليه الوجود ..
يريد الأنا ، محو الذاكرة و العودة للبدء الأول ...
أتعبتني هذه الرحلة المليئة بالأسى .. و لربما العودة للصفر ..
الصفر ..، كل الأبعاد في فكر الصلصال تساوي الصفر ، تساوي نقطة الانطلاق ، و ربما قبل الانطلاق بكثير ، فما هذا الركض المضني إلا فكر شارد يبحث عن حليب البدء الأول ، عن كيفية التماهي و الحلول في نطفة الذات الأولى و الصانع الأول .. العودة لأصل القبضة و التمسك بها رغبة من الصلصال في عدم التكرار ربما ...
و لأني الأنا، سأعيد السيرة ... كل شيء يضني و يؤلم حتى النعيم الأبدي .. لأنه في نسيجي و تكويني بركان لا يهدأ ،.. رغبة جامحة في التفجير ، قوة كامنة في الغواية ، سلاسة ليس كمثلها شيء في المراوغة ، حزمة الفراغ تصير أغنية تراقص الوجود و ترسم معنى الخلود ...
الخلود .. هذا الحنين الأزلي الذي يسكن الذاكرة ...
و ما هذا البحث المضني عن ضلع مفقود إلا لرسم الخلود بشكل آخر منذ النزول .. و ما هذه الرحلة إلا لترك بصمة العابر على جبين الوجود ..
في فكر الصلصال المستنسخ أن التيه كان نتيجة النزول الأول، لذلك يبحث في شغف عن صعود لمنتهى تلك السدرة الشبقية ، ما أدراه أن النزول الذي يسكن ذاكرته كان صعودا .. و أن الصعود الذي يريده ، يحلم به و يبحث عنه .. نزول من مواقع الحكمة لدرك أسفل .. غباوة أخرى يستحم بها فكره الشارد عن إدراك المعنى ...
الإدراك.. هل هو استنساخ جديد للغة الفكر ..؟؟ متى يدرك الصلصال، في ظل عولمة دجنها بفكره الماكر، أن وجوده مستنسخ من رؤيا نذر قديم ؟؟ و تم تدجينه هو أيضا على شاكلته ...
دجنت الحديد ، رتبت موعدا مع الشمس لأصنع خلودا آخر في ذاكرة التعري .. لذا كنت دائم الشغف بالسماء علني أترك جينات الخلود في لغة الوهم المتجدد ..
ثقيل هذا الغيم الذي يبيت فوق رأسي، شديد هذا البرق الذي يلمع في جبيني ، هذا الوجع الذي يسكن ذاكرتي في منفى غائر في المعنى . عطش السنين ، تلاوين النجوم حين تمشط رغبة الضياء الجامحة في لهفتي نحو نحت جديد للوجود ، لفكر مستنسخ في ناصية الوهم ، هراء هذا التشظي في عتمة فراغ باسم ، في قهقهة صنوبرة يتيمة فيها من البكاء عويل مزمن ..
زمن آخر ينسج فكرا شاردا ، و معنى يضيق بحجم نقطة ..
كم من نقطة يحتاج الأنا ليرصص ممشاه ؟؟..
يفتل الصلصال من نقط حذفه حبلا يستمد منه رغبة النشوة لنصر غير معلن ..، تعلم بمكره الساذج كيف يضع نقاطا جديدة و يوهم نفسه بفتح جديد للمعنى .. بنسجه خرقته الأولى حيث وارى سوءته، تعقدت رؤياه للوجود و مضى في فتنته يسرق لغة السهو من بحر أعياه عمقه حيث الحياة موسيقى تتدافع من ثدي قمر يرتعش في المرايا ...
حيرة كبرى تجتاح الأنا..,، في قمة وجعي أعود باسما من مكر صنيعي ، تصعقني رؤياي المثخنة بقهقهة الوهج الشارد من غياهب الظلمة المشرعة على ضفاف الروح ..
سيج الصلصال ذاته بدوائر على شاكلة خطوه في رحلت بحثه عن ضلعه ، عن سر وجوده و الأسى المزمن الذي يسكنه .. لذا راح يدور في فلكه المستنسخ طائفة من النذور الأخرى ، يستجدي عودة أسمائه المستعارة لصلصاله الموشوم بماء الخطيئة .. رقصة بديعة في مركز الحزن ، و ما تم استنساخه يطوف عليه في وهن ..
حوافري ثقيلة الخطو .. تنحت مروري في فكر يستحيل طاحونة هواء مثقل برائحة ناقوس أتعبه الصدأ ، تتآكل رؤاي ، تتغذى على نشاز موسيقى عزف منفرد في خارطة المعنى ، و النصل يلمع في عنقي ، يبيح دمي للشاردة قلوبهم في مداري .. غزو آخر يدعو الأنا ليرفع شارة نصر مدجنة في وجه الجسدروح ...
صمت مترف يذيق المعنى لذة النشوة ..
جموح آخر للفكر ..
تأصيل  جديد لمفهوم الهزيمة حيث الموت منفى آخر للنصر ..
غربة الصلصال هزيمة كبرى ، جريمة ارتكبتها في حقي دونما وعي سابق بذاكرتي المستنسخة ، و فتنتي الجامحة بالشجرة و التفاحة . فكري الذي أوغل في عظمتي و جبروتي كشجرة الخلد جرني للبحث عن ضلعي المفقود ، فأذاقني مرارة التحليق في سماء خطتها لغة تعلو ركح الوجود و ترقص بأحرف زخرفها المجاز إدراكا للمعنى حيث الإدراك منتهى الغباء ..
تتناسل الأسئلة في دوائر و ترسو في ميناء السهو ..
لعبة القذارة تحيكها جينات الصلصال الأول عباءة تزهو بعفة باذخة و تجثو في الروح رائحة إشراق مزيف لفكر يتقن صنع العلة و السبب في دائرة مفرغة من الحكمة ، يأتيك بلغة نصر خالدة في قمة الهزيمة    و الوجع ، يعطيك أملا من نور في نفق مظلم لا نهاية له ، يريك القمر في تمام غيم ركامي و مثخن بالقصف ، يضع بين يديك البحر و أنت في كامل عطشك .. مكر خادع و جمال متناه ...
قمة المجد عند الصلصال ، الأنا، حين يسبح ضد التيار ليصل إلى المنبع ..
السعادة التي يبغيها الصلصال فهم خاطئ للرؤيا ...
في قمة وجعه يحيك سعادة مشتهاة ...
جبار هذا الصلصال !! في مروري أثناء رحلتي الكبرى و تيهي الأبدي تركت بصماتي في الوجود ، شوهت بفكري المستنسخ ما لمسته من تفاصيل .. فاستحدثت لغة تسقط النجوم في كف جبل يورق على كتف المساءات ، زلزلت الشمس و سبيت ضفائرها لكهفي المترع بظلمة غائرة في روحي المشرعة على احتمالات الشهوة .. أمسكت بالصنوبر من خاصرته فصنعت فلكا أحمل فيه زاد الحكمة ..طفت على نفسي          و جررتني من نقطي فبنيت بيتا محرما على العصافير الشاردة .. زرعت في دمي نطفا من غيب يتهجى حرف البلاغة ، و حين كبر المجاز حملت منجل الوعي فاقتلعت الجمال من حقل الرصانة ، و تركت له حشائش من تبن مستنسخ... و بعد حين ألقي عليه النار التي سرقتها من شمس حالمة في زهو ..
جبار هذا الأنا .. تشويه جميل للتفاصيل ، طبعا فقد أتعبتني الرحلة    و السؤال عن سبب قطفي من شجرة الخلد و إدخالي هذا التيه ، و إن كانت رؤاي تشير إلى وحشتي و ألمي أيضا هناك ..
لم كانت القبضة الكبرى جامعة لكل هذا الزخم في صلصالي ..؟؟
ربما لأن المبدع الأول لملم التفاصيل كلها في قبضته الكبرى ،     و قام بنحتي و ترصيعي بكل ما جمعت قبضته ، لذلك أجدني أدجن كل التفاصيل في رحلتي ... فلم هذا الألم أيها الأنا ؟؟
صمت الصلصال طويلا و هو يحمل خطوه في سفره .. استفز ذاكرته المستنسخة عله يجد سببا لآلامه الدائمة ، فطفق ينسج حكايات ، يستخرج من وجعه ألما جديدا .. و بمكر الفكر المستحدث تراءت له نذور تشع في رؤاه السحيقة ..
قبضة المبدع الأول نصف تفاصيلها وجع ، و ما تبقى تكمله الرؤى في رقصة اشتهاء للبدء الأول ...
تقتضي سيرة الصلصال نهاية .. و لكن حكمة البوح دائما متجددة، و لأن استنساخ الذوات مستمر .. و فكر الأنا مستحدث .. فإن رحلة الألم ستبقى ما بقي الصلصال يدور في حلقته المفرغة من مركز الحلم المفقود و تبقى حكمة المبدع الأكبر في قبضته الأولى بعيدة عن الإدراك .. لذلك أجدني مضطرا للتعايش مع هذا الألم الذي يقد مضجع الصخر و يفتح مدنا أخرى للبوح بوجع أكبر .. و سأبقى أرقص في دائرة الأنا محاطا بسياج من الرهبة و العاطفة و الجبروت ...
و يبقى البحث الدائم عن ماهية وجودي الذي يلوح كوشم بعيد في الذاكرة .. كشهقة أقحوان تعتريه همسة ندى في رقصة الضياع ...     
الرحلة تبقى بلا نهاية في بحث مستمر و أزلي عن ضلع مفقود ...

2012-10-02