السبت 18/10/1445 هـ الموافق 27/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
قرار الضم الاحتلالي وتأثيره على الواقع الفلسطيني...طارق زياد شقير

الرد الفلسطيني على قرار الضم الإسرائيلي

والتأثيرات المحتملة على الواقع الفلسطيني

1-     مقدمة: منذ عودة السلطة الفلسطينية كسلطة حكم ذاتي إلى أرض الوطن بالعام 1994 إستناداً لإتفاق أوسلو "غزة – أريحا أولاً" وإعادة انتشارها في باقي المدن والتجمعات الفلسطينية، والحكومة الإسرائيلية تراقب عن كثب مدى نجاعة عمل السلطة الفلسطينية وقدرتها على تطوير أدائها الأمني والسيطرة على الأمن والنظام العام، واجراءاتها بعد توتر الوضع الأمني جرَّاء سلسلة العمليات التي نفذتها حركتي حماس والجهاد الإسلامي، والتحريض الذي مارسه اليمين الإسرائيلي المتطرف ضد إتفاق السلام الموقع في أوسلو والذي قاد إلى اغتيال اسحق رابين عام 1995، كما ودرست سلطات الإحتلال رد الأجهزة الأمنية الفلسطينية القاسي ضد قوات الاحتلال خلال أحداث هبة النفق عام 1996، فبدأت بوضع خططها الصهيونية الخبيثة لتدمير تلك الأجهزة ومقراتها.

وبعد أربع سنوات وخلال عام 2000 إندلعت إنتفاضة الأقصى بعد زيارة شارون الإستفزازية إلى باحات المسجد الأقصى، فكانت خير شاهد على دور الأجهزة الأمنية في مقاومة الإحتلال، وإستهداف قوات الإحتلال لمقرات وعناصر وضباط الأجهزة الأمنية حيث عملت على تسويتها بالإرض، بعد أن ترسخ لدى فكر وعقل صهيونيتهم مدى الخطأ الاستراتيجي الذي وقعوا فيه بالتوقيع على اتفاقية تسمح لقائد الشعب الفلسطيني ياسر عرفات وجيشه بالعودة إلى أرض الوطن.

2-     الممارسات الإسرائيلية بعد توقيع الإتفاق: على ضوء ما سبق ذكره فقد سعت الصهيونية لتدمير ونسف كل الإتفاقيات والمعاهدات الموقعة مع الجانب الفلسطيني في كافة النواحي "الإقتصادية، والسياسية، والأمنية"، وتنصلت من الإستحقاقات المفروضة عليها أمام كافة الجهات الدولية والإقليمية والفلسطينية، وذلك من خلال:

  • السعي الى زيادة وتيرة الاستيطان باراضي الضفة الغربية
  • قرصنة اموال المقاصة الفلسطينية اكثر من مرة بعدة حجج، والتي هي حق حسب اتفاقية باريس
  • اعتدت على ضباط من الاجهزة الامنية وداهمت مقراتها
  • عدم احترام قانون حقوق الانسان.
  • الاعتداء على الممتلكات والاراضي الزراعية.
  • حماية المستوطنين اثناء اعتدائهم على مواطنين فلسطينيين.
  • الاستمرار بحملات تهويد القدس واقتحام باحات المسجد الاقصى.

بالرغم من ذلك بقي الجانب الفلسطيني متمسكًا بكافة المعاهدات والاتفاقيات الموقعة مع  خوض معركة دبلوماسية أمام المجتمع الدولي وفي الإقليم وبإسناد عربي لفضح ممارسات الإحتلال وإحراج إسرائيل أمام العالم، فتوجهت دولة فلسطين إلى الأمم المتحدة وحصلت على عضو مراقب في الجمعية العمومية للأمم المتحدة باعتراف 138 دولة، وتسعى فلسطين حالياً للحصول على العضوية الكاملة، كما انتسبت إلى العديد من المؤسسات والمنظمات الدولية من بينها محكمة الجنايات الدولية.

3-     قرار الضم الإسرائيلي الجائر: مؤخراً أعلنت إسرائيل على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو عن مشروع لضم أراضي الأغوار شمال البحر الميت والمستوطنات وأراضي التجمعات السكانية الفلسطينية الواقعة بين هذه المستعمرات للسيادة الإسرائيلية بغطرسة ودعم من الجانب الأمريكي المنحاز كلياً لإسرائيل، وكترجمة عملية للبنود الواردة بما يدعى "صفقة القرن"، فالخرائط المتعلقة بذلك القرار تم التوافق عليها إسرائيلياً وأمريكياً في وقت سابق، وتم تأجيل الإعلان عنها حتى تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة ذات الرأسين (نتنياهو – غانتس).

4-     الرد الفلسطيني على قرار الضم الإسرائيلي - الأمريكي: جاء الرد على لسان رئيس دولة فلسطين/ محمود عباس بالإعلان وأمام العالم أجمع "بالتحلل من جميع الإتفاقيات والمعاهدات الموقعة مع الجانبين الإسرائيلي والأمريكي بما فيها الأمنية،مجدداً دعوته القبول بحل الصراع على أساس حل الدولتين، بشرط وجود طرف ثالث على أن لا يكون هذا الطرف هو الأمريكي، وأن تكون المفاوضات عبر مؤتمر للسلام وفق الشرعية الدولية".

هذا الرد من الرئيس محمود عباس يضع إسرائيل أمام خيارين: إما تحمل مسؤوليتها كدولة إحتلال، أو القبول بحل الدولتين وفق الشرعية الدولية....

ونتج عن هذا الإعلان من الجانبين ردود أفعال دولية وإقليمية وفصائلية تمثلت في:

أ- القيادة الفلسطينية ترفض قرار الضم الإسرائيلي لأنه يلغي فعلياً إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة والتطور ومتواصلة جغرافياً، وبقاء القيادة الفلسطينية في حالة إنعقاد دائم لترجمة إعلان السيد الرئيس على الأرض.

ب- ​المملكة الأردنية الهاشمية: تحذر من أية إجراءات أحادية الجانب،لأن ذلك سيؤدي إلى صدام مع الأردن، وهذا أشجع موقف تم إتخاذه في ظل موقف عربي وخصوصاً في دول الخليج، في حالة سبات عميق يدعو للتطبيع مع الاحتلال.

ج - الإتحاد الأوروبي: يدعو إسرائيل للتخلي عن خطط الضم وإحترام القانون الدولي مع التمسك بخيار حل الدولتين.

د- الولايات المتحدة الأمريكية: الداعم الرئيسي لإسرائيل في مخططاتها، وقد أعلن سفير أمريكا لدى إسرائيل ديفيد فريدمان إستعداد بلاده للإعتراف بالسيادة الأسرائيلية في منطقة الأغوار ومستوطنات الضفة، وهذا ليس بجديد عليهم بعد اعترافهم بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل وعرض صفقة القرن التي اعتمد عليها نتنياهو في مشروع الضم.

ه - الجامعة العربية: خرجت ببيان يندد بالإجراءات المتخذة من قبل إسرائيل، كالعادة تنديد أو إستنكار.

5-     تأثير القرار الفلسطيني: لقد طغى على ألسنة السياسيين والصحفيين والمحللين سؤالين هما: ماذا بعد ذلك؟؟ وما هي آليات تنفيذه؟؟

لكن بدر لذهني سؤال: هل التحلل من الإتفاقيات يعني إلغائها بشكل نهائي، أم هي سياسة تكتيكية تم إتخاذها للتحول من سلطة حكم ذاتي إلى دولة تحت الاحتلال معترف بها دولياً تسعى لنيل استقلالها تضع إسرائيل أمام مسؤولياتها كدولة إحتلال؟؟؟؟.

لابد من إتخاذ قرار كهذا أن ينجم عنه تأثيرات على كافة جوانب ونواحي الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية، وخصوصا بعد وقف التنسيق الأمني ودخوله حيز التنفيذ الفعلي، ومنها:

أ- التأثير على القضايا المقدمة لمحكمة الجنايات الدولية كونها قدمت على أساس الإتفاقيات الموقعة بين الجانبين.

ب- التأثير على الاقتصاد، مما يؤدي إلى تباطؤ دوران عجلة الاقتصاد، لعدم وجود معابر أو منافذ تجارية لتصدير المنتجات المحلية لعدم وجود سيطرة فلسطينية عليها.

ج - في الجانب الأمني فقدان الأجهزة الأمنية قدرتها على ممارسة مهامها في ضبط الأمن وتنفيذ القانون، خصوصاً في المناطق المصنفة (ب+ج) لعدم وجود تنسيق أمني، وسعي الإحتلال إلى إحراج الأجهزة الأمنية ومنعها من التحرك ونصب الحواجز.

وكأمثلة على ذلك: شجارات ببلدات قصرة وعوريف والزاوية وحوارة.

          د- اقتحام قوات الإحتلال للمناطق المصنفة (أ) في ظل إنتشار الأجهزة الأمنية الفلسطينية، مما يزيد من فرص الإحتكاك والتوتر بسب محاولة الإحتلال إستفزاز العناصر لجرهم الى مربع المواجهة.

          هـ - إنتشار حالات الفوضى والفلتان الأمني بتسهيل من الإحتلال لإحراج وإضعاف موقف الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

أخيراً وليس آخراً هذه ليست الجولة الأخيرة في الصراع مع الإحتلال الذي يسعى دائما لبسط السيطرة وتغيير الجغرافيا على الأرض لصالحه، وكل محاولاته ستفشل وقلب طفل فلسطيني ينبض ويرفض الإحتلال، ولن يجدوا شريكاً يقبل التنازل والتوقيع على الثوابت المتفق عليها والمعلن عنها، وهذا ما تمثله منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، (وهذا) يستدعي التفكير الجدي من الفصائل المغردة خارج هذا الإطار للإنضمام وتضميد الجرح وإنهاء الإنقسام لمواجهة الإحتلال بيد واحدة وقرار فلسطيني موحد.

رام الله؛ الاربعاء 24 يونيو/ 2020

 

2020-06-24