الجمعة 9/11/1445 هـ الموافق 17/05/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
اليوم التالي للعدوان على غزة ومؤشرات عن حل جديد للقضية الفلسطينية/ شحادة موسى

على مدى ثمانية أيام ( 14- 21/11/2012)، بليلها ونهارها، وصمود أـسطوري، وعزيمة فولاذية، صُنع المستحيل في غزة. صنعه رجال المقاومة في كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس؛ وفي سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامين؛ وباقي فصائل المقاومة، ومعهم شعبنا الجبّار في غزة. في غزة، المحدودة المساحة والموارد، التي تضرب عليها إسرائيل وحلفاؤها حصارًا شاملا في البر والبحر والجوّ، أثبت شعبنا أنه بفضل إرادة المقاومة والتحدي، استطاع أن يتخطى ذلك كله، ويمتلك إمكانات فذة في التخطيط والتدريب والإعداد لمواجهة العدو. وتجلى ذلك في أكثر من مظهر من مظاهر الصمود والمبادرة في الفعل،أبرزها القدرات الصاروخية التي فاجأت الجميع، وكانت عصيّة على آلة الحرب الإسرائيلية الغاشمة، فظلّت تدك مستوطناته ومدنه ومراكزه حتى لحظة وقف إطلاق النار.
وكشفت هذه الحرب، على الجانب الآخر، أن وراء آلة الحرب هذه يقف "الصهيوني الأبيض"، صنو الرجل الأبيض هناك وراء البحار، المليء بالحقد على الآخر وكراهيته، والذي هنا هو الانسان الفلسطيني،فصبّ نار أسلحته الفتاكة  بنهم  حيواني على البيوت بمن فيها،وقتل الأطفال الصغار، والمسنين العاجزين عن الحركة. وهكذا، لم يكن النصر الفلسطيني على آلة الحرب الإسرائيلية فحسب؛ وإنما ايضا على البربرية الكامنة في أعماق نفس هذا "الصهيوني الأبيض". فالف تحية لأبطال المقاومة ولشعبنا  الأبيّ في غزة.
وماذا بعد؟ سؤال تلقائي يفرضه الواقع الجديد. هل تتوقف الأمور عند وقف إطلاق النار في تهدئة أو هدنة طويلة الأجل، أم أن هذا سيكون بداية عمل ما "لإيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية"، كما جاء في كلمة  وزير الخارجية المصرية وهو يعلن تفاهمات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وفصائل المقاومة مساء الأربعاء 21 من الشهر الجاري.
وممّا يعزز هذا التساؤل، أنّ كلامًا صدر قبل العدوان وأثناءَه يعطي مؤشرات على أنّ هناك شيئا ما يجري التحضير له في هذا الإطار، إطار الحل الشامل والعادل. ومع أنّ الكلام المقصود لم يتعد هذه الصيغة العمومية التي تتردد منذ أمد بعيد؛ إلّا أنّ الشخصيات أو الجهات التي صدر عنها هذا الكلام،وما لها من ثقل ودور في مجريات الأحداث، هي ما يلفت الانتباه، ويدفع إلى السعي لمعرفة ما وراء هذا الكلام في هذا الوقت.
لعلّ أول هذا الكلام جاء على لسان الأمير حسن بن طلال وليّ عهد الأردن السابق،حيث أعلن في 9-10-2012،أنّ الضفة الغربية جزء لا يتجزأ من المملكة الأردنية، وأنها احتُلت وهي تحت السيادة الأردنية. وهذا الكلام يتناقض مع الواقع الذي نشأ عن فك الارتباط بين الضفتين الذي قرره وأعلنه الملك حسين سنة 1988. ولذلك، أثار حديث الأمير حسن الكثير من التكهنات عن دوافع الحديث في هذا الوقت؛ وسرت أحاديث هنا وهناك، عن مشروع لحل القضية الفلسطينية يجري إعداده خلف أبواب مغلقة، عنوانه العام إلحاق الضفة الغربية بالأردن، وربط قطاع غزة بمصر. وفي التفاصيل أنّ الكيان/الدولة الفلسطينية سيقام في غزة تحت حكم حركة حماس، المتآلفة أيديولوجيًا مع نظام الحكم الجديد في مصر؛ أما الضفة الغربية، أو بالأحرى ما تتنازل عنه فيها إسرائيل، فيكون جزءًا من الأردن.
الكلام الآخر اللافت للانتباه جاء على لسان الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني رئيس وزراء ووزير خارجية قطر. ففي لقاء مع شبكة " سي أن أن" الإخبارية الأميركية بثّته يوم الثلاثاء20-11-2012 ، قال الشيخ حمد: "لقد تحدثنا في الأيام الماضية مع الأطراف كافة بشأن إيجاد عملية سلام شامل ووقف إطلاق النار، لكن وقف إطلاق النار ليس كافيا من دون أن توضع في الاعتبار مطالب شعب فلسطين.. الطريق الصحيح لحل الموقف هو إيجاد سلام دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين مع رعاية وضمانات من دول المنطقة، وإذا كان هناك سلام شامل أو خطة عادلة لكلا الطرفين ستقوم قطر ودول عربية أخرى وتركيا بتقديم الضمانات..ومن حديثي مع رئيس حماس أعتقد أنهم يبحثون عن سلام شامل مع إسرائيل، وأعتقد أن على الطرفين الجلوس إلى مائدة مفاوضات يتحقق عن طريقها السلام وفقا لقرارات الأمم المتحدة وحدود سبعة وستين وليس حسب شروط تفرضها إسرائيل".
ولعلّ من المناسب هنا الإشارة إلى عبارة وردت في مقالة للدكتور موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في جريدة الغارديان البريطانية بتاريخ 20-11-2012،تحدث فيها عن العدوان الإسرائيلي على غزة وانحياز الدول الغربية لإسرائيل، وقال "إنّ الشعب الفلسطيني اليوم يرى في حماس الأمل والقيادة".
وفي السياق نفسه، يُشار إلى كلام تردد في أوائل شهر تشرين الثاني/نوفمبر الحالي عن لقاءات أجرتها حركة حماس مع وفد إسرائيلي في دولة أوروبية وبحضور خيرت الشاطر القيادي في حركة الإخوان المسلمين المصرية، طلبت فيها حماس هدنة طويلة الأجل مع إسرائيل تمتد لعشرين عامًا (نفت حماس في حينه هذه الأنباء).ويشار ايضا إلى أن بعض المصادر تصف تفاهمات وقف إطلاق النار التي اتفق عليها بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، بأنها تتمحور حول هدنة طويلة المدى، وهو الأمر الذي صرح به نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل أثناء المباحثات بأنه يريد هدنة طويلة المدى ( رويترز، 20-11-2012).وإذا صح هذا الكلام عن الهدنة الطويلة مع العدو، فإنه يثير سؤالا جوهريا عن موقع " مفهوم" الهدنة- طويلة أو قصيرة – في قاموس حركات التحرر الوطني، ومعاركها، وتاريخها.ذلك أن الهدنة إنما تبرم بين دول وجيوش متحاربة وليس بين حركة تحرر وطني، ومحتل.
وعلى صلة بالموضوع، يُشار إلى كلام صدر، وتحليلات كتبت عن انتقال حركة حماس من " محور المقاومة والممانعة" إلى موقع آخر؛ وذلك استنادًا إلى تصريحات لقادة من حماس ومواقف من أصدقاء لها عن انحيازها إلى "الشعب" في سورية؛ مما جعلها طرفًا في الأحداث السورية الداخلية. وترافق ذلك مع اختلاف نبرة الصوت تجاه الذين قدّموا الدعم والمساعدة للمقاومة، والمقصود إيران على وجه التحديد، " فذلك واجبهم ومع ذلك نشكرهم". هذه المواقف تجعل المراقب يتساءل: هل أمّنت حماس بديلا عن إيران في الدعم والمساعدة وخصوصًا السلاح، أم أنها لم تعد في حاجة إلى هذا النوع من الدعم ؛ ومن ثم هل انتهت مرحلة المقاومة المسلحة؟
في ضوء هذه الأحاديث وما تعطيه من مؤشرات، فإن الكثيرين من الذين وقفوا إلى جانب حركتي حماس والجهاد الإسلامي، بوصفهما حركتي المقاومة الفاعلة والمجسدة لتطلعات الشعب الفلسطيني وآماله،يضعون اليوم أياديهم على قلوبهم، كما يُقال؛ وذلك بسبب الانطباعات والأجواء التي تولدّها هذه المؤشرات، وخوفًا من أن يكون هناك مشروع "سلام شامل وعادل" يُعد في الخفاء، لحل القضية الفلسطينية في حدود الأراضي التي احتلت سنة 1967، ولا يتعرض لجوهر المشروع الصهيوني النقيض الوجودي لشعبنا وحقوقه.ويتخوّف هؤلاء من أن تندفع حركة حماس، بفعل انتصارها التاريخي في غزة، إلى الانفراد خارج إطار وطني جامع، كما يخشون أن تظل فصائل منظمة التحرير على انفرادها المخزي في التعامل والتعاون مع العدو التاريخي لشعبنا وأمتنا.
الآن، هو وقت الاختبار الحقيقي للنيّات والإرادات تجاه وحدة وطنية في إطار مشروع وطني جامع، متسق مع مشروع التحرير الذي رسمه الميثاق الوطني الفلسطيني، وجسدته المقاومة الشعبية بالكفاح المسلح.

2012-11-24