الثلاثاء 21/10/1445 هـ الموافق 30/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الخربشات الأخيرة للروح وراهب الكتابة "محمد حمزة العزوني" ....بقلم بدوي الدقادوسي

  حين تدخل عالم محمد حمزة عليك أن تدرك أنك ولجت صومعة راهب متأمل ثائر رضع الحرية المغلفة بغلاف ديني ثائر رضع الثورة على الظلم الاجتماعي الذي عايشته قريته تلك القرية التي عاش منها وفيها ولها استمد منها حروفه فأهداها حياته وكتاباته مذ أول يوم وضع فيه قدمه على عتبات الكتابة فأهداها عنوان" ول مجموعاته القصصية " صفط تراب نيويورك وبالعكس " وروايته الفريدة " القيراط الخامس والعشرون " وحين تبحر في مجموعة " الخربشات الأخيرة للروح " ستدرك أنك أمام مفكر يحمل التاريخ على رأسه ذلك التاريخ الذي يعج بكل ألوان الظلم للشخصية المصرية على مر العصور فكل العصور اعتصرت هذه الشخصية بكل ألوان التنكيل وقد تجلى ذلك في قصته التي تصدرت المجموعة ( حكاية من قديم الزمان لكنها تصلح لهذا الزمان " لتجد أن العزوني هو جمال حمدان القصة القصيرة . "كان الظلم وسيكون " وقد تمثل ذلك في شخصية " صابر " ذلك الاسم الحركي لكل مصري عاش على أرض مصر في كل عصر هو بصورة أو بأخرى ذلك الصابر هذا الفلاح الأجير في بلاده في كل الحقب ورغم هذا يحمل لسانا ذاكرا وقلبا شاكرا وبدنا صابرا على بلاء الزمن يزرع ويكد في أرض الباشا ولكن الباشا الذي يسأل ولا يُسأل قرر ألا يمنح صابر حصته من محصول القمح الذي يقتات منه رغيفا خشبيا طوال العام وقرر أن يعطيه تبنا وصابر كأي مخلوق بشري لايخبز التبن ولكن الأمور تنقلب رأسا على عقب حين ينادي المنادي بأن شهبندر التجار قد أرسل من ينادي في البلاد بأن كل من عنده تبن سيشتريه منه وكلما زادت الكمية زادت العطية ، هنا قد يظن القارئ أن السماء تولت الحل وانهت الظلم ولكن ولأن الظلم في بلادي فن أصيل وله صور تختلف باختلاف المعطيات فقد رأينا الباشا يبدع فيه بعقد رسمي بينه وبين المواطن صابر فتلك الجارية التي أخذها مع دنانير الذهب والتي ظل يحلم بشهد رضابها طوال طريق عودته لكوخه قرر أن يشاركه فيها بقسمة طيزى أبدع الكاتب في رسم تفاصيل العقد " لصابر نصفها الفوقاني وللباشا نصفها التحتاني وعلى كل طرف تحمل تبعات القسم الذي يرعاه ليجد صابر نفسه أمام مأزق الانفاق على الجارية والباشا المتعة وكأن القصة لا تنتهي فهو يزرع والباشا يحصد ! ولأن المجموعة تتمتع بوحدة فنية وموضوعية نجد القصة الثانية من المجموعة ترسم لنا صورة حديثة من الظلم ولكن في العصر الحديث " الولد الذي قال لا " ذلك الفتى العشريني الذي ظل يحلم باليوم الذي يبلغ فيه عمر امتلاك بطاقة انتخابية ليشارك في صناعة القرار في بلده الديموقراطي " إن لم تشارك وأنت الشاعر المسكون بأوجاع الوطن فمن يشارك؟ وتقدم الفتى ليمارس حقا مشروعا كفله القانون والدستور وهم بورقة التصويت وسوّد خانة " لا " في الاستفتاء على رئيس الجمهورية وهنا وجد يدا حديدية تمسك بيده محاولة انتزاع الورقة منه ولكنه نجح في ايداع الورقة بالصندوق ليقلب المناديب الصندوق رأسا على عقب ليعثرواعلى الورقة الوحيدة التي تم تسويدها ب " لا " ولأن عود كبريت واحد كفيل بأن يبدد ظلمة صحراء قاحلة فقد انتشر خبر الولد الذي قال لا انتشار النار في الهشيم ليحمل الشباب هذا الولد على الأعناق ويهتفون له وكأنه شرارة 25 يناير . في القصة الثالثة من المجموعة يأخذنا العزوني إلى صورة ثالثة من صور الظلم " يحيا العدل " ذلك الهتاف الذي انتزع تحت تهديد السلاح ، ذلك الهتاف الذي لايتجاوز الحناجر تقية الموت هتاف بعد يريده زعيم العصابة الجائر ولا يمت للعدل الإلهي بصلة تذكر ذلك العدل الذي يرسخه كل من يحمل البندقية في وجه العزل ولوحات العزوني التي ينتقيها ويرسمها تصب في نهر واحد وهو نهر الظلم والجهل وتلك قضايا مجتمعية سخر الكاتب قلمه للتعبير عنها ففي القصة الرابعة من المجموعة سنرى لونا رماديا لوّن به الكاتب لوحته الواقعية ففي هذه القصة المعنونة بعنوان " قبل أن يندلع الشرر " هي تنبيه لمرض اجتماعي وآفة اختصت بها قرانا هذا العنوان التحذيري بمثابة لافتة وضعها الكاتب كنقطة تبئير تشف عن تجذر فكر هذا الرجل في عمق تربة قريته التي ليست سوى نموذجا حيا لآلاف القرى لتكون نسبج الشخصية المصرية التي وصفها شوقي على لسان كليوباترا في مسرحية " مصرع كليوباترا " شعبنا كالببغاء عقله في أذنيه كيف تتحول المواقف البسيطة حسنة النية بالأقاويل والاسقاطات النفسية إلى كوارث قد تصل بنا لما لايحمد عقباه فالمشادة تقع في أول البلد وتتناقلها الألسنة لتصل لنهاية القرية أنها مجزرة سقط على إثرها آلاف القتلى . صاغ الكاتب تلك الآفة بشكل درامي مدهش فها هو سعيد الجمل الفتى القروي البسيط الضاحك يجلس في جلسة انس برفقة خاله الاج إبراهيم وتمتد الجلسة ويسرقهما الوقت وفجأة ينتبه سعيد لما وراءه من عمل فينطلق لحقله ليكتشف الخال أن المدهول نسي فأسه وكأنه من دهولته ذهب للهيجاء بلا سلاح فنهض من جلسته حاملا الفأس ليعطيها له قبل أن يتحجج ويعود دون أن يعمل في أرضه وإذا بقريب يراه على حاله فيتعجب من صرامته وجريه ، هي جملة واحدة أدلى بها وبني عليها كل شيء " عايز ألحق الولد ابن الكلب سعيد الجمل "وتناول المستمع الجملة بعقله وقلبه وبدأ يفسرها كما أملاه تحليله بأن هذا الشرر المتطاير والجري ليس خلفه سوى القتل نعم القتل وسرت الشائعة وكثرت التأويلات وكانت الطانة الكبرى . في سلسلة ذهبية تنقطع استمر العزوني يغزل ولكنه خرج من نطاق الظلم المحدود في القرية للظلم اللامحدود في الدولة – أي دولة – في قصة" مخلب واحد " وتعد قصة مخلب واحد محطة مهمة في رحلتنا مع الخربشات الأخيرة فتلك هي اللعبة السياسية في كل الأزمان تتخذ من مخاوف الشعوب سلما للصعود للكرسي شاهدناها كثيرا تلك المسرحية في تاريخ مصر ولم يكن محمد علي هو الحالة الأخيرة فقد طلب الثعلب تفويضا للقضاء على الخطر المحدق بالغزلان ذلك الخطر الداهم من فصيل الثعالب ولأن الأزمات تضصنع على العيون غشاوة تنعدم عل أثرها الرؤية ويشل الفكر فيوافق البسطاء في سعادة من يبحث عن الملاذ والوصول لبر الأمان وإذا بنا نخرج من أزمة لندخل في ف الأزمات فنبكي كما بكى ذلك الرجل قائلا : رب يوم بكيت فيه فلما مضى بكيت عليه " ولا يوم من أيامك يا مبارك " ! كيف احتال الثعلب وكيف انطلت حيلته على العامة والبسطاء ؟ وكيف انتزع هتافا مناقضا للناموس الإلهي " الثعلب والغزالة مخلب واحد" ؟ الترميز هو ما يميز هذه القصة عن أترابها إلا أنه ترميز ليس بالتعقيد ولا التأويل . وفي لحظة حاسمة قرر العزوني أن يصحب قُرّاءه للجنة وجنة العزوني غير كل الجنان لذلك واستثناء سأخرج بعيدا عن االسرد المشوق الذي يعتمد الكاتب عليه بالكلية لنذهب للبناء الفني لهذه القصة ، فرغم اختلافي التقني في القصة القصيرة ذلك الاختلاف الذي تحول إلى خلاف بيني وبين الكاتب في نقاشاتنا دوما حول البناء الفني للقصة القصيرة ورغم هذا الاختلاف إلا أنني هذه المرة وفي هذه القصة تحديدا أتحد معه لأنه أمتعني بنائيا وموضوعيا . التقنيات التي انتهجها الكاتب تحتاج إلى وقفة ، فقد بدأ القصة بالأفعال الماضية " تعالت – دقت- راحت – أخذت " في تتابع متسارع كان بمثابة معزوفة سريعة تجعلك تلهث وتنتظر بشوق ظهور المطرب على المسرح لينتقل الكاتب بتوزيع موسيقي منفرد من الفعل الماضي المحقق للفعل المضارع المستمر " تلف – ترتفع – تهبط – تفصل – تدور – تدور " افتتاحية فنيا أعطتك متعة بصرية سمعية وكونت لوحة فريدة جعلتك تتشوق " أين توجد هذه الجنة؟ وما زالت الكاميرا الخارجية للحدث تتحرك وتجوب الأرجاء والكاميرا الداخلية ترصد ما يجول بعقل البطل حتى جعلنا نشم رائحة الشواء مع البطل ذلك البطل الشاب الذي تخرج في الجامعة بعد كد أمه عليه أجيرة في حقول الأغنياء وظلت تحلم بالبيت العالي فكم سمعت كم ارتفعت بالعلم بيوت ولكنه وجد كل سبل العيش مغلقة فهاجر للمدينة فوجدها أكثر منعة وأشد تكدسا فمال على ذراعة كما قالت له الحكمة " إن مال عليك الزمن ميّل على دراعك" فحمل فأسه وجلس بالطرقات انتظارا لمن يطلبه لهدم جدار أو لرفع أمتار من الرمل للأدوار العليا ولكن حتى هذا السبيل للعيش سرعان ما أغلق فلم يجد قوته ولا ايجار الغرفة المتواضعة التي تأويه وبينما هو شارد في همه فإذا بهذه الجنة تعرض على الشاشة وقد ظظنت أنها صورا لمدينة جديدة في الساحل الشمالي تلك المدن التي يعرضونها في الإعلانات لقهر المواطن تملك فيلا بالساحل بسعر زهيد خمسة مليون جنيه! ولكن ولأن السخرية سمة في شخصية الكاتب فإذا بنا أمام سجن وهذه الصور التي تبث ليست سوى صور حية من داخل السجون الجديدة التي تسابق الدولة الزمن في بنائها وأن المذيع نفسه يتمنى لو يمن الله عليه ويصير يوما نزيلا بها ففكرالشاب وفكر ثم بدأ يتمنى لوكان أحد نزلاء هذا السجن الجميل ولكنه ذلك المواطن المخصي الذي لايعرف الجريمة كي يدخل السجن فهو لايستطيع القتل ولم يدخل في يوم ما حتى في مشادة كلامية فهو كما تعرفون مواطن بسيط يمشي بجوار الحيط ولو تطلب الأمر لمشي داخله ! فما العمل ؟ وكيف السبيل لهذه الجنة وهو لم يعمل ما يؤهله للفردوس فإذا بالحل يرد لذهنه فالحاجة أم قاسية إذن هي السياسة نعم هي السياسة ومهما كانت المخاطر فالجنة تستحق وهنا يتحول البناء الدرامي لحلم بل كابوس فإذا بالبوليس السياسي يداهم غرفته ويوسعه ضربا وركلا كيف يحلم بالجنة ؟ ويفيق الشاب على صوت المذيع اللزج نعم مازال يرغي ويتغزل في جنة الحكومة ومازالت الكاميرا تدور والدنيا تدور ورأس البطل تدور ورؤوسنا مع كل شيء تدور . لقد حوّل الكاتب تلك القصة لمعزوفة وجدانية وكوميديا سوداء مستمدة من الواقع بحس وطني صورت هموم المواطن البسيط العاجز عن العيش رغم امتلاكه كل مقومات العيش من شهادة عليا وبدن موفور الصحة ! جاءت التقنية القصصية في هذه القصة على أروع مايكون خرج فيها من قالب السرد إلى آلية التصوير الذي جعلنا نشارك لانتلقي ، ولعل الحقبة الفنية التي ينتمي إليها الكاتب هي التي جعلت منه مفكرا حكاء لايعبأ بالتقنيات الحديثة كما هو الحال في كل كتابات تلك الحقبة وكتابها عبد الحكيم قاسم والمخزنجي ويحي الطاهر عبدالله ومحمد المنسي قنديل وبرفقتهم كاتبنا هؤلاء الأعلام التي ظلمها الإعلام هؤلاء المهمومون بهموم الإنسانية عامة والفقراء خاصة فكانت كتاباتهم حروف من قنابل تفجرت وتشظت إلى إضاءات ناريةحروف تتلألأ في سماء الإبداع ولم لا وقد آلوا على أنفسهم أن يكونوا ضمير هذه الأمة وعقلها المفكر فلم يهيموا بالإدهاش والإغراب فم يكن لديهم الوقت للتجميل فلغة الحرب ووجود العدو الصهيوني على الضفة الشرقية للقناة وتغييب وعي الجماهيرتلك هي قضيتهم التي من أجلها كتبوا لايقاظ الوعي فكان الماضي يقفز من قلب الحاضر " حكاية من قديم الزمان لكنها تصلح لهذا الزمان " ولا يفوتنا في خضم هذا الكم السردي الهائل أن نسجل المسحة الدينية للغة الكاتب وسحر التفاصيل ودفء الصياغة والممازجة بين المشكلات الاجتماعية " قبل أن يندلع الشرر " والمشكلات السياسية " الولد الذي قال لا " والمشكلات الذاتية " الخربشات الأخيرة للروح " ولعل لب الاختلاف بين جيلي وهذا الجيل هو اهتمامنا بالتقنيات والتزويق والمكياج لعل ذلك مبعثه اختلاف المشرب فنحن نشأنا على المشرب الغربي وهم على المشرب الاشتراكي . عود على بدء في قصة الخربشات الأخيرة للروح " واسطة عقد هذه المجموعة " والتي عنون بها الكاتب مجموعته تلك القصة التي عالجت قضة تؤرق كل من يتعاطى الأدب وتجيب على أسئلة جوهرية وهي " لمن نكتب " وما سر انحدار الذائقة العامة ؟

هل يكتب الكتاب والشعراء ليقرؤا لأنفسهم؟ وما جدوى الكتابة إذن؟ وهل انحدار الذائقة مسؤولية الأنظمة أم الأفراد؟ أم هي مسؤولية مشتركة؟

وقد كان الكاتب عميقا حين وزع المسؤلية على الجميع وإذا كان الكاتب أبدع في نقل المشهد السياسي في مصر وكشف للقارئ صورة السياسة والديموقراطية المزيفة في قصة " الولد الذي قال لا " وكشف عورة هذه الديموقراطية المزيفة التي عرضت الوطن للمسخ فجاءت القصة شرارات ساخنة ولقطات مضيئة تكشف وتعري وتفضح ، فقد أبدع هنا في تعرية المشهد الأدبي فهذا الشاعر الذي تجاوز الستين من سويعة بطريقة الفلاش باك يسرد علينا رحلته مع الشعر ولماذا لم يصدر ديوانا واحدا في كل هذه العقود؟عروجا على اللحظة الحاسمة التي جعلته يصرف النظر بشكل قاطع عن عملية الطبع والنشر فلمن سيطبع ومن سيقرأ ؟؟!!

وفي إشارة لتدني الذائقة العامة من خلال " أحبك ياحمار " وبيان التلوث المادي والامبريالية لكن ذلك لا ينفي المسؤلية عن الكتاب والشعراء فهم شركاء بصورة أو بأخرى عما آل إليه الحال فهم موغلون في الرمزية والطلاسم التي تجعل من يسمك بديوان لهم يطوح به بعد قراءة أول قصيدة كيف يعود الناس إل الشعر؟ وبعد طول تأمل وبحث وجد أن العمل الأدبي لن يصل إلا إذا لامس مع المتلقي حين يشعر أن القصيدة جسدت لآلامه وآماله وأشواق قلبه ونداءات روحه ...... ولكنه ظل ثلاثين عاما يبحث عن تلك القصيدة عن الكمال الشعري ذلك الكمال الذي ارتآه في أغنية خضراء تتلألأ فوق الصفحات البيضاء ولكنه لم يصل للكمال المنشود ومازال يكابد ومازال يرنو جهده نحوها حتى هوى ولم يجد ضالته إلا بعد الموت ولم يترك لنا إلا خربشات بيضاء لآثار قلم خال من الحبر . تميزت هذه القصة عن أترابها في قصص المجموعة بلغتها الشاعرية فلم يقدمها لنا الكاتب بلغته المعبأة فكرا وتفكيرا بل ببساط لغوي أخضر ياروحي غني أغنية خضراء ياروحي انسكبي شعرا وغناء ياروحي انسكبي نورا يتلألأ فوق الصفحات البيضاء &&&&&&&& في قصة فرحة لابد أن نتوقف كثيرا ونتأمل أكثر ونطرح التقنيات الفنية للسرد جانبا ونتعمق القضايا المطروحة وكيف يتحول الإنسان تحت سيطا القهر والحاجة إلى ثور مغمى العينين يعاني الخواء الفكري والجمالي ، في قصة فرحة يستعرض الكاتب رحلة الإنسان عموما من عنفوان الشباب حتى الشيخوخة ورحلة المثقفين خصوصا وإن كان هذا البطل قد بلغ الستين اليوم مما يعني أنه مواليد بداية الستينات تلك الفترة التي نشط فيها اليسار العربي والذي كان مملوءا بالثورية والرغبة في التغيير – تغيير العالم كله – وانطلاقا من وعود بالخلاص من أشكال الاستبداد المحلي والعالمي ورضع شعار " ارفع راسك يا أخي فقد مضى عهد الاستعمار وصدّق الدعوة ورفعوا رؤوسهم ليقطعها النظام العسكري المستبد فانبرى الفتي يقرأ الشعر لطوقان ودرويش وسميح ونزار ويضرب بعرض الحائط الكتب المدرسية والحصص الجافة في الرياضيات والكيمياء ولكنه يقابل بالتعنيف من معلمه ووالده فيعود مجبرا لتلك الكتب الصماء ويفقد منذ هذا اليوم الإحساس بالزمن وهو يركض خلف لقمة العيش كالثور المغمض في ساقية هنا يستعرض البطل حياته التي مرت دون ان ينتبه وعمره الذي راح في الخواء وكيف تحول من ثائر مؤهل لتغغير الكون إلى مواطن مخصي لايستطيع نقل كرسي من موضعه إلا بأوامر ؟

في قصة تغريدة واحدة تلك القصة المشهدية التي تصور واقعا انتجته الميديا ، عالم غريب هو عالم " التريند" نرى هذا الشاعر عديم الموهبة والذي أضاع عمره ورصيده ليثبت للعالم أنه شاعر ولكن مقوماته الفكرية والثقافية لم تسعفه فتوقف فجأة وهو على مشارف الستين ليواجه نفسه بالحقيقة فلم يعد لديه نافذة يطل منها على القارئ غير صفحته بالفيس وحسابه بتويتر وبينما هو يشرب لينسى رحلة الفشل يضع فشله على شماعة الحقد من المجتمع فيصب مع الخمر جام غضبه على هذا المجتمع الظالم وما زالت الخمر تلعب برأسه حتى تطال الذا ت الإلهية نصيبا من هذا الحنق وفي خضم اللاوعي الغارق فيه يكتب تغريدته اليومية ويغيب عن الوعي ليفيق على آلاف من التصالات نتيجة تلك التغريدة التي لايعلم هو نفسه عنها شيئا وحين ذهبت السكرة وحضرت الفكرة حاول شطب التغريدة أو الاعتذار ولكن هيهات فما كان كان ولكن ولأننافي عالم فقد البوصلة واختلط فيه الحلال بالحرام ونعيش مرحلة العبث فقد هدّأ من روعه أنه وجد فريقا يدافع عنه ليذكرني ها الموتور بذلك الذي بال في ماء زمزم ليتحدث عنه الناس ولكن الزمان غير الزمان والرجال غير الرجال فمن بال نهره الجميع وهذا وجد من يدافع عنه تلك لقصة المشهدية التي تعرض علينا كيف وصل الحال بنا للتردي الثقافي وكيف وصلنا لهذا المشهد العبثي الغريب .

في هذه القصة شاهدنا اشتباك العزوني مع الواقع الساخن مع الفوضى الثقافية مع غياب كل شيء كل شيء ليثبت أننا نموج في بحر العدم والعبث . بقي أن أقول لي عود في دراسة خاصة للبنية السردية في القصة القصيرة عند العزوني في هذه المجموعة .

2023-10-22