الإثنين 20/10/1445 هـ الموافق 29/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الأنتقال إلى غزة : جميل شحادة نموذجاً / حماده فراعنه

مشكوراً ، وجه رئيس الوزراء التركي ، رجب طيب أوردغان ، الدعوة المخلصة للرئيس الفلسطيني ، لمرافقته في زيارته المرتقبة إلى غزة ، في إطار المساعي التركية الحثيثة ، لتحسين العلاقات ، بين الشقيقتين ، رام الله وغزة ، حيث تعذر التوصل إلى التراجع عن الأنقلاب وإنهاء الأنقسام وإستعادة الوحدة بين طرفي الصراع أو الخلاف الفلسطيني ، فعلى الأقل يسعى القائد التركي لترطيب الأجواء بين دولتي فلسطين :  المحتلة في الضفة  ، والمحررة في قطاع غزة ، يساعده في ذلك أن الدولتين الشقيقتين لا تتصلان بحدود جغرافية ، حيث تفصل دولة ثالثة ( إسرائيل ) بينهما ، تحول دون التصدام المسلح ، أو التهريب الثوري بينهما لتقويض الأمن من أحدهما للأخرى ، وهذا عامل ، شكل حافزاً لكل الأطراف الصديقة والشقيقة ، كي تتدخل بين الدولتين الشقيقتين غير الجارتين ، كي يبادروا من أجل دعوة الرئيس أبو مازن كي يرافق زياراتهم الأفتتاحية إلى غزة ، بهدف تطبيع العلاقات ، وترطيب الأجواء ، وقيام علاقات حُسن الجوار وتلبية المصالح المشتركة التي تجمع بين الشعبين الشقيقين ، شعب الضفة مع شعب القطاع ، وفي الإطار القومي الذي يجمعهما ، سوياً ، مثل أي بلدين عربيين في إطار الجامعة العربية أو مجلس التعاون الخليجي أو دول المغرب العربي .

ألا نخجل من أنفسنا ونتعلم من ( العدو الجار الصديق ) الأسرائيلي ؟؟ أنظروا ماذا يفعلون من أجل تعظيم  القدرة الداخلية الأسرائيلية لمواجهة العدو الأيراني ، أو الضغط الأميركي المحتمل ؟؟ وإذا شئتم عدم التعلم من الأسرائيلي بغياب النظرة الوحدة  أو تعدديتها في وصفه ، بصفته عدواً أو جاراً أو صديقاً ، حيث تغيب الرؤية الواضحة في التعامل معه ، بصفته عدواً محتلاً ، أم بصفته جاراً يجب تحسين علاقات الجوار معه ، أو بصفته صديقاً يجب وضع اليد بيده لمواجهة التحديات البيئية والتهريب وتبادل العملة وتحصيل المستحقات مثلاً معه  ، إذا لم يكن كذلك ونرفض التعلم من الأسرائيليين  تعالوا نتعلم من شخص منا وفينا ، من الأخ الرفيق جميل شحادة أمين عام الجبهة العربية الفلسطينية ، المخلص للتحالف الوطني الذي يقود منظمة التحرير بصفتها الممثل الشرعي الوحيد  ، وبصفته شريكاً في هذا التحالف وأحد قياداته ، وناقداً شجاعاً في نفس الوقت  لسلوك حركة حماس وسياساتها بوضوح وبلا مواربة !! .

جميل شحادة يوزع وقته ما بين الضفة والقطاع ، فلديه تنظيم متواضع في الضفة وتنظيم مماثل في القطاع ، ومع ذلك يتنقل للعمل وللمبيت وللسكن بين الدولتين الشقيقتين ، وتربطه علاقات ندية بين طرفي الصراع ، بدون التأثير على مواقفه المعلنة ، على قاعدة المجاملة السياسية أو لتحسين مواقعه في هذا القطر العربي الفلسطيني أو ذاك ، فكلاهما بالنسبة له واحد ، ويبدو أن ثقافته القومية وتربيته الحزبية السابقة كبعثي هي سبب نجاحه وحُسن إدارته وصواب خياراته الوطنية في التعامل والأنتقال بين السلطتين ، السلطة الأئتلافية التي تقود الضفة الفلسطينية ، والسلطة الحزبية الأحادية التي تقود قطاع غزة .

كنت أطالب من هذا المنبر وفي وقت مبكر من عُمر الحسم العسكري ، قيادات الفصائل والأحزاب والأتحادات المهنية ، بالأنتقال المتواصل بين الضفة والقطاع ، حتى لا تستفرد حماس بالقطاع وبالمؤسسات ، والرضوخ للأمر الواقع والأستسلام له والتعامل مع معطياته ، بدون العمل على تغييره ، بأدوات مدنية حزبية تراكمية ، فالواقع أن حزب حماس يحكم القطاع مثل حزب حسني مبارك وحزب علي عبد الله صالح وحزب زين العابدين بن علي بل وأسوأ  منهم ، من هؤلاء جميعاً ، ولكن حماس لا تستطيع التهرب من إستحقاقات المرحلة ، وخاصة بعد ثورة الربيع العربي التعددية القائمة على صناديق الأقتراع ، هذا جانب أما الجانب الأخر ، فعلى القيادات أن تتعلم من تجارب الواقع المشاهد أمامنا ، فغياب فاروق القدومي كأحد مؤسسي حركة فتح عن قواعد فتح وعدم عودته إلى فلسطين مع رفاقه أفقده موقعه القيادي في حركة فتح ولم يعد الشخصية الأعتبارية ذات الوزن ، بما يليق بمكانته التاريخية كشريك في المبادرة لتأسيس فتح وإطلاق الثورة ، والصورة الأخرى تتمثل بخالد مشعل الذي إختار البقاء في المنفى وفقد موقعه ومكانته كقائد منتخب لحركة حماس ، لأنه لم ينتقل للعمل والإقامة في قطاع غزة ، بعد إنحسار الأحتلال ، وإزالة قواعد الجيش وفكفكة المستوطنات عنها .

كنت أقول أمام إجتماعات المجلس المركزي أنتم الشعب الفلسطيني وقياداته لأن ما فعله ياسر عرفات ورفاقه ، أنهم نقلوا القرار الفلسطيني من المنفى إلى الوطن ، ولم يعد للمنفى ثقل إلا بما يوازي تقديمه للدعم والأسناد لطرفي الشعب الفلسطيني داخل الوطن ، لمناطق الأحتلال الأولى عام 1948 من أجل المساواة ، ولمناطق الأحتلال الثانية عام 1967 من أجل جلاء الأحتلال وتحقيق الأستقلال ، وبالتالي لم يعد لقيادات المنفى أي وزن بإستثناء نايف حواتمه ، الذي يطوف الكرة الأرضية بحثاً عن الدعم لطرفين لمنظمة التحرير بإعتبارها العنوان الفلسطيني ولحزبه الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ، ولا يضاهيه في ذلك ولا يتفوق عليه سوى الرئيس أبو مازن بسبب إمتلاكه لثلاثة عوامل الأول وظيفته كرئيس  منتخب يتحدث بإسم الشعب الفلسطيني ، والثاني التغطية المالية المتوفرة ، والثالثة الأمكانات اللجوستية بتوفر طائرة خاصة .

نايف حواتمة الوحيد الذي حافظ على مكانته في الخارج ، بسبب تنقلاته المستمرة ، وإتصالاته اليومية مع قيادات الداخل في الضفة والقطاع ، وأحياناً مع قيادات 48 محمد بركة وأحمد الطيبي وطلب الصانع ، ولولا ذاك لفقد ما فقده الكثيرون من مكانة ودور بسبب غيابهم عن شعبهم ووطنهم داخل فلسطين .

الأنتقال إلى غزة والعيش فيها والتعامل اليومي معها ضرورة  ، كما يفعل بعضهم مع عمان والقاهرة  لأهميتهما ، ولكن غزة جزء من الوطن ومن التنظيم ومن الناس الذين يصنعون حقائق الحياة ويغيرون الواقع بإتجاه المستقبل ، كما سبق وأن فعلت حركة فتح في الماضي ، عبر مبادرتها التاريخية بالثورة  ، والأنتقال إلى غزة اليوم  هو السبيل لجعل غزة جزءاً من الحالة الفلسطينية ، وعدم الأستسلام لواقع أن غزة حكراً على تنظيم الأخوان المسلمين والسلطة المنفردة فيها لحركة حماس .

المثل الصيني يقول : بدلاً من أن تلعن الظلام أشعل شمعة ، وشمعة العمل للتراجع عن الأنقلاب وإنهاء الأنقسام وإستعادة الوحدة ، هو الأنتقال المتواصل بين الضفة والقطاع أسوة بما يفعل المناضل جميل شحادة الممسك بباقة شموع وليس فقط بشمعة واحدة .

[email protected]

2012-11-04