السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
مَـنْ منــكم بـــــلا خطــــيئة ؟...بقلم : يوسف ناصر

  أيّها الرّجال الذين تغسلون أيديكم بدماء أخواتكم وبناتكم كي تطهّروا شرفكم بين الناس ! الويل لكم.. إنّ ما تفعلونه إثم وخطيئة !. تعسًـا لكم ممّا تقترف أيديكم من جرائم ! تالله إنّه لأمر فظيع تسقط منه هلعًا بطون الجبال ، وصخورها لفظاعته تقطر دمًا، وأشجارها تذرف دمعًا ، ورياحها تهيج نواحها على ما تصنعون..! إنّي لأسمع من هنا صوت الله  يتوعّدكم  يوم  الدّينونة على ما ترتكبون !.. الويل لكم.. إنّ عاركم عاد لكم أثقـل أوزارًا حين تفتضحون أمركم في الناس وتعلنون للملأ سرّا ثقيلًا كانت معرفته قصرًا عليكم وحدكم دون غيركم من بني البشر!!!  ماذا فعلتم ؟.. وماذا جنى عليكم جهلكم الـّذي حرّضكم ووضع الخِنجر في أيديكم، ودعا لكم بالسـلامة والفخر في مسعاكم..!! بناتكم في القبور.. وأبناؤكم في غياهب السّجون.. وأعراضكم مُضغة في ألسنة النّاس الـذين يشمتون..!! ما أعظم إثمكم وما أقسى قلوبكم..!!.. إنّ ما تفعلونه يشهد على أنـّكم ما زلتم تسكنون في القِدم وراء ألفي عام من نهار الحضارة ..! وإنّ ما ترتكبونه يلقي بأمّتنا  في الحضيض الأسفل بين أمم العالم لتسخر بنا الأمم وتقول عنّا: إننا أمّة من سلالة الذّئاب... ثقافتنا جهالة وشجاعتنا جبن.. وقويّنا لا قدرة له إلاّ على ضعيفنا... فتاتنا خاطـئة وفتانا مجــرم ... وقد بلغت الشّمس من الوقت بعد الظهيرة في عصر المدنية والتقدّم , لكنّنا ما زلنا نيامًا ، ولا نستفيق رغم صياح الدِّيَكة وصلصلة العصافير قرب النوافذ..!!!..

                         يا أبناء أمّتي.. أوَ ليس لنا من كلّ الشّرف الضّائع سوى شرف فتاة من أخواتنا مسكينة أضلـّها الشّيطان وأغواها إبليس !.. لماذا لا تسألون عن شرف الجيوش التي هُزمتْ ، والبلاد التي احتُلّتْ ، والمدن الّتي دُمّرتْ والأعراض التي استُحِلـّتْ !.. وما كـِبرُ خطيئتها أمام خطيئة رجل يحمل وطنه على طبق ويقدّمــه للأعـداء !.. وأمام من يقضي وقته مع البغايـا في المواخير!.. سلوا ضمائركم واستحلفوا نفوسكم كم مرّة كذبتْ ألسنتكم ، وأخطأتْ أيديكم، وتدنـّستْ فروجكم ، ومشتْ بكم أرجلكم الى الشرور والآثام.؟.  ما حـرامٌ عليها حـلالٌ لكم أن ترتكبوا الفحشاء ، وتفعلوا ما طاب لكم من الشّهوات واللـّذات كلّما سَنَحتْ لكم.!. مِـن أين لكم هذا العدل  ! ومِـن أين لكم هذه القسوة ! أيّة حجارة يابسة تنبض في صدوركم..! أليست هي أختكم سـقطتْ من رحِم أمّكم !.. ألا تستحقّ منكم الشفقة لخطيئتها، وأنتم أولى الناس منها بالشفقة لخطاياكم المميتة ؟؟  إنّ الأرواح والأجساد ملك لخالقها وحده في السّماء ، فمن ذا الذي جعلكَ أيّها القاتل ربًّا في الأرض تُحيي وتُميت !!.. ومَن ذا الّذي أذن لــكَ أن تـَقـتـل وأنت لا تملك وصاية على روح حشرة واحدة تجري في الحقول.. ولا حقّ  لك في الحياة أكثر من نملة تدبّ في الأرض ، وفراشة تسيح بين  الحدائق..!!!  

 ..المــرأة.. ما أعظمكِ أيـّتها الجنـّـة في منازلنا.. إنّـها  لأطهر ما صنعته يد الله على الارض، وأجمل زهرة خلقـَتْها بين الزهور تمشي على اثنتين فوق الثرى.. إنّها لأحسن دمية تزدان بها منازلكم .. انّها قلب الحياة ، بنبضه ترقى الحياة  بأبنائها إلى القمم كلّما خَفقـتْ.. وتُلقـي بهم في القاع كلـّما سكتتْ .. متى كنتم أعدل من السيّد المسيح قاضي محكمة السماء العليا يوم الدّينونة، حين قال للّذين همّوا بقتل امرأة رجمًا ، وقد أُمسِكت وهي تزني :" مــنْ كــانَ منــكــمْ بـــلا خطيّـــةٍ فليــرْمِــــها أوّلاً بحجـــــرٍ" حتّى خرجوا واحداً فواحداً  تبكّــتهم  ضمائرهم , وليقول للمرأة بعد ذلك" إذهبي ولا تخطئي" .. أوَلسنا كلّنا أيّها الأخوة بشرًا خطاةً ، وعلينا أن نستجدي الرحمة من ربّنا بالتوبة لمغفرة خطايانا وذنوبنا ؟..إنّ أَوْلـَى الناس بالشفقة هم الخطاة في هذا العالم.. وكفى بخطاياهم عقابًا رهيبًا لأرواحهم بين يدي الله يوم الدينونة في السماء، وعذابا مميتًا لنفوسهم بين النّاس على الارض .. إنّكم لو جلدتم المرأة بآلاف السيوف، لن تبلغوا غايتكم إن لم تجلدوا فيها الخطيئة أوّلًا، قبل أن تدخل قلبها ، بالكلمة الطيبة والتهذيب والتعليم والإرشاد..  أحرى بكم أن تذهبوا وتسفكوا دم تقاليدكم العمياء التي ما زالت تحزّ بسيفها أعناق أبنائكم وبناتكم منذ آلاف السّنين.... إنـّها تـَقـْتـُل المرأةَ بكم وتـَقـْتـُلكم  بـها في آن واحد.. فماذا جَـنَيْـتم !  وإلى متى تقدّمون أعناقكم لحدّ  هذا السيف ؟؟... 

                    .. أيّـها الجهل المشتعل في رؤوسكم ولا ينطفىء..! ويا أيّــها المقتـول وأيّــها القاتــل .. كلاكما ضحيّة بريئــة لقاتل واحد قد قتلكمــا معا.. إنّــه التقاليــد العميــاء .. هــذا قبضتْ عليه بيُمناها وألقته غـربًا من قمّة جبل شاهق ورمَتـْــه في فـم البحر فقطـّعته أنياب الأمواج.. وذاك قبضتْ عليه بيُسراها ورمت به  شرقًا فوق اليابســة ليشرب التراب كؤوسًا مترعة من دمه القاني...! جاء القاتل منكما الى الحياة فاستقبلته التقاليد العمياء عند الباب طفلًا، وحملته بذراعيها الى كهوفها المعتمة، وربّـته في حجرها أعوامًا، وأرضعته من لبنها، وأطعمته من خبزها، لينشأ وفيّــاً لأمّه الرّؤوم ، يفكّر بعقلها، وينظر من عينيها ،ويسمع بأذنيها، ويأكل بأنيابها، يرى أكاذيبها صدقًا وظلمها عدلًا، وتبرّر له قتل النّفوس البريئة، ليحسب جهـلًا أنّ ما يرتكبه من الجرائم فضيلة من الفضائل ، وصَدَقة من الصَدَقات ينال بها رضوان ربّـه في ذلك اليوم الرهيب !!

                  ..ماذا ترجّـون منها ..! إنكم ُتلقونها بأنفسكم في أعماق البحر ثمّ تأخذونها بذنبها لأنّها غرقتْ...! ترمونها بأيديكم في النار وتدينونها لأنّها احترقتْ..! ما ذنب الاعمى الذي تركه أهله بين الحفر فسقط في الهوّة العميقة ، وراح يندب حظّه من فقدان بصره بين الرّكام..! ما ذنب التّمثال الذي وضعه البنـّاء في طريق الزّوابع، فسقط من أعلى القصر ليتناثر خزفه بين الأشواك...!! وما ذنب الزّنبقة الشّذيّة الّتي تركتها الحقول وحيدة بين الأشواك لتأتي الأنسام وتسلبها أريجها عند انبلاج الفجر..!!!

                                     أيّها الإخوة الأحبّاء.. اجعلوا عاداتكم في الارض عبادات صحيحة لله في السّماء ، ولا تكوننّ عباداتكم لله في السماء عادات باطلة  لكم على الأرض ..!! إنّ الجهل في الأمم ظلمة دامسة تمشي مع الناس في الطرقات تحت ضوء الشمس ولا تنجلي ... وحين تستحكم في أمرهم تجعل عقولهم تنزل من رؤوسهم ولا تسكن إلاّ في بطونهم وأجسادهم، ليقضوا العمر كلـّه أسرى أرذل اللّذات ، وعبيدًا لأنجس الشّهوات الأرضيّة الزّائلة على غرار ما تفعله طبائع الهوامّ والبهائم..!! وأمّا المعرفة الطّاهرة فنور في الظّلام الدّاجي يرقى بالنـّاس عن طلب اللّذات الجسديّة العابرة الى طلب اللّذات الروحانيّة الخالدة ، في الإحسان  والتّضحية والأعمال الباقية أبدًا في لسان الزمن.. لترخص في نظرهم عندئذ شهوات الجسد أمام لذّات الرّوح ..  وليصبحوا بذلك في مصافّ الملائكة لكنْ بغير أجنحة تُرنّق بهم فوق سدّة العرش السّرمديّ..!! فكونوا من أبناء النور حتّى يكون لكم في النور خلاص دائم في الحياة الفانية...!!

 ... حرّروا أخواتكم وبناتكم بالمعرفة من جهلهنّ  وبالنور من ظلمتهنّ ... روّحوا عن أولادكم بالحريّة والعيش الطليق لأنّ الغرائز المكبوتة براكين وحُمم لا تدرون متى تنفـّذ تهديدها بالانفجار..طهّروا نفوسهم بالثّمرات الشّافيات من فردوس الله في الكلام المقدّس... أخرجوا فتياتكم من الظّلمة وسوّروهنّ بالتهذيب والثقافة النقيـّة من كلّ أذًى وقذًى ..  ولا تحجبوا عنهنّ أسرار الدنيا وخفاياها.. أفهموا فتاتكم إذا خرجتْ ، أنّ خارج المنزل تنتظرها دائمًا غــادة حســـناء فتـّـــانة الجمـــال تخلب الألباب بسحر محيّاها وقد وقفـتْ لها على الدّرب لمصاحبتها.. على رأسها تاج من مرجان.. وفي جيدها قلائد من ماس.. وفي معصمها سوار من فضة.. وعلى جسدها ثوب سابغ من ذهب ... وثغرها يشع بالبسمات دائمًا..حَـقّ لها أن تمتّع نفسها بمصاحبتها دائمًا ، ولكنْ إيّاها أن تُحسن الظنّ بها  أو تأمن جانبها يومًا لأنّها تغدر برفقائها وتغريهم بما لديها من بهارج....إنّها الحياة لو علمتم..!! 

 .. أيّها الفتيان وأيّتها الفتيات! إنّ شهواتكم شياطين تقيم في بيوت هي أجسادكم ، وتزيّن في أعينكم الخطيئة،  فتريكم القبور قصورًا،   والسمّ شهدًا من حيث لا تعلمون..! فاجعلوا أجسادكم مساكن لله ولا تخافوا بعد ذلك ولو اجتمعت شياطين الارض كلّها عند الابواب تطلبكم !.. وليبقَ في أيديكم دائمًا لجام شهواتكم عند اشتداد الحرّ ، لئلا تجمح بكم الخيول الشُّمْس وتُلقي بكم عن ظهورها فوق الصخور, فيتكسّر مستقبلكم وتتحطّم أمانيكم لتبقى الألسـنة تنهش سمعتكم بين النّاس الّذين لا يرحمون..!!

 .. قد يهجركم الغنى يوما وتستطيعون أن تستعيدوه بالكدّ والاجتهاد.. ولربّما تهجركم العافية إلى حين ويمكنكم أن تستعيدوها بالحمية والدواء.. أمّا الشرف ، إن هجركم مرّة واحدة، فلن يعود اليكم ولن تجدوه أبد الدهر، ولو بعثتم نجوم السماء كلّها  لتبحث عنه في أودية اللّيل، مرّة  في الأرض ، ومرّة في أعلى جمجمة السماء.!!. ولو أنّكم أيضًا سيّرتم حصى الأرض يبحث عنه في الكهوف وأرسلتم معه رياح الجوّ تنقر بمنقارها في رمال الأرض كلـّها فإنّـها لن تجده  يومًا... فاحترسوا إذنْ أن تصطادكم  الفخاخ وتقعوا في الوَهَـق وتسقطوا في الحفر!!!...  

2020-07-10