الخميس 16/10/1445 هـ الموافق 25/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الإنقسام السياسي وظلاله الكئيبة على أجواء المصالحة...جبريل عوده

 

 وتبقى الفوضى ضاربة في عمق الحالة السياسية الفلسطينية , والتفرد عقلية مسيطرة في ساحتنا الفلسطينية , والإقصاء سلاح المتسلطين وأصحاب النفوذ , هل هو الإصرار على الإنتحار  السياسي بمباركة المنتفعين والمستفيدين ولا نغفل الممولين ؟ , أم هو التحريش الدولي حتى لا يلتقي الإخوة , مجتمعين في ميدان الدفاع عن حقهم في فلسطين الموروثة عن الأباء والأجداد  ؟! , ليستفيد الإحتلال وينعم بسيطرته ويزيد من توسعه الإستيطاني , على حساب ما تبقى من أرضٍ فلسطينية , أوليس الإحتلال هو المستفيد الرئيسي من تشرذمنا وإنقسامنا يعلم هذا الأمر الصغير قبل الكبير , فلماذا يتواصل هذا الإنقسام السياسي الفلسطيني ؟ هل ننقسم كفلسطينيين على أحقيتنا الراسخة في فلسطين كل فلسطين ؟ , هل ننقسم على أن القدس موحدة لا تنازل عنها وأن الأقصى المبارك مُلك للمسلمين ؟ , هل ننقسم على حق العودة للاجئين المعذبين في المنافي , ليعودوا إلى ديارهم التي هجروا منها بفعل الإرهاب والقتل الصهيوني , هل ننقسم على الرفض المطلق للإعتراف بشرعية الإحتلال ودولته الزائلة , أليس كل ما تقدم هو من صلب قضيتنا الوطنية, وعمودها الفقري فإذا تهاونا في احدها سقطت القضية الفلسطينية , وأصبحت مسألة إنسانية لمجموعات من البشر بلا هوية وطنية, تحتاج إلى إغاثة ومعونة عاجلة , أو بحث في مسألة توطينها هنا أو هناك , عبر برامج تساهم فيها دول العالم المتحضر! , بأموال أمتنا المنهوبة! .

الإنقسام حول توصيف العدو المحتل ونظرتنا له , بمثابة الداء الخطير القاتل ؟! , الذي يفتت الأمم ويفرق الجماعات , بل ويؤسس لحالة من القطيعة والإحتراب بين أبناء التراب الواحد والدين الواحد والمصير الواحد , فلا يعقل أن تُفرط جماعة منفردة بالحق الثابت لشعبها , ولا تستقيم الوطنية المدعاة إن لم يكن عمادها الرفض المبدئي للإحتلال الخارجي والسعي الجاد لمقاومته , كقاعدة مهمة ومركزية من أجل نبذ كافة إجراءاته الإحتلالية وإبطالها ورفضها والعمل على إزالتها , فما بال أقواما من بينا , يعتبرون الإعتراف شرطاً لإستقرار الأوضاع الفلسطينية  الداخلية , وأمراً ضرورياً لإستمرار عجلة المصالحة الوطنية ,  ألا يعي هؤلاء أن رفض الإعتراف بـ " إسرائيل " المدعومة من كل قوى الشر مجتمعة , هو بمثابة مقاومة يمارسها شعبنا وفصائله , متمكساً بوطنه رافضاً للإحتلال الوقع عليه , ورفضاً لكل محاولات تثبيت هذا المحتل على أرضنا وترسيخ وجوده في منطقتنا .

ولعنا نخاطب الفلسطيني الذي يلوح بشرط الإعتراف بـ "إسرائيل" , إذا كُنت قد وقعت في الآثم الوطني فلا تجُر غيرك إليه, فما عليك الا التوبة منه والإستبراء من تبعاته , والعودة الفورية إلى جذور القضية وجوهرها , ولتسعى فوراً إلى حقل الطهارة الوطنية من أجل التخلص من كل رجسٍ نالك من قُربِك للمحتل الغاصب .

لقد فرحنا بإعلان المصالحة وطي صفحة الإنقسام الفلسطيني , وأزعجتنا كثيراً التصريحات التي تمس بسلاح المقاومة وتقزم دوره الوطني , ولا يخجل مطلقي تلك التصريحات من وصفه بسلاح المليشيات, وهو السلاح الطاهر الذي يشهد له شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة , بأن مهمته الإستراتيجي , تلخصت في ردع العدو وإيلامه وإرساء الأمن والأمان لأهالي قطاع غزة  , وأسال من ينادي بشعار سلطة واحدة وسلاح واحد , والذي كثُر ترديده هذه الأيام , هل تنادي بوحدانية السلاح في الضفة الفلسطينية ؟ , بمعنى ألا يدخلها سلاح الإحتلال ومستوطنيه , هل ناديت بوحدانية السلطة على أرض الضفة , ووضعت ذلك  شرطاً في غرف التنسيق الأمني ؟ , ألا يكون هناك سلطة للإدارة المدنية الصهيونية , على الضفة الفلسطينية شعباً وأرضاً وجواً, وألا يكون سلطة لجيش الإحتلال بالتحرك بلا رادع من أجل تنفيذ حملات الإعتقال اليومي لشبابنا في كل ليلة من البيوت أو على الحواجز التي تخنق ضفتنا المحتلة.

ما يشعر به المراقب في قطاع غزة , أن فريق السلطة الفلسطينية , يسعى لمحاولة السيطرة الفعلية أو الإزاحة والإحلال بلا رؤية واضحة , وكأنه في مهمة التخلص من كابوس ولو كانت الإفاقة منه فوضوية  ذات نتائج مدمرة كأن يقفز من شباك بالدور العاشر يطلب النجاة ! , وما يدفع هذا الفريق لهكذا سلوك , هو سياسة الإقصاء للأخر التي تشكل على ما يبدو ثقافة عند القوم , أو غريزة التفرد بالقرار والتسييد على المجموع الفلسطيني , والتي جُبلوا عليها منذ الولادة التنظيمية .

بكل تأكيد لو إستمر سيطرة هذا نمط من التفكير في العقلية التي تدير الأمور بمقاطعة رام الله المحتلة , لن نتقدم خطوة واحدة نحو وحدة حقيقية , أو شراكة متجذرة من أجل إدارة الصراع مع الإحتلال الصهيوني , وترسيخ وجود شعبنا وحماية قضيتنا من الإستهداف والمؤامرة .

ما تحتاجه قضيتنا وشعبنا الفلسطيني , - قبل البحث في إحكام سيطرة أذرع الحكومة ميدانياً وتمكينها من قطاع غزة رغم أن الأمر يمضي بسلاسة يشهد بها وزراء الحكومة - , هو الرؤية السياسية الوطنية الجامعة , تقوم هذه الرؤية الوحدوية على حقائق الوطن الراسخة ومفاهيم الوطنيين الثاقبة , فلا نقبل بالمحتل ولا نعترف به , ولا نفرط بسلاح مقاومتنا ولا نسقطه من حسابتنا في معركتنا الوطنية لإنتزاع حقوقنا , فهل نتمكن من إنجاز تلك الرؤية السياسية الفلسطينية الوطنية ؟ أم نبقى أسرى الإنقسام السياسي الذي أوجده ولوج البعض نحو نفق التسوية المدمر لقضيتنا ولمشروعنا الوطني التحرري .

كاتب وباحث فلسطيني

25-10-2017م 

2017-10-25