الإثنين 20/10/1445 هـ الموافق 29/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
المطلوب إدانة الاحتلال وليس شيطنة المقاومة...وليد محمد محمد

        اختارت حكومة الكهنوت الصهيونية الفاشية بقيادة نتنياهو هذا التوقيت ذو الدلالة الايمانية الكبيرة لدى الفلسطينيين والمسلمين عموما للتصعيد واختبار ما تنوي تنفيذه من استكمال مخطط تهويد القدس وفرض إجراءات قسرية على المسجد الأقصى بغية تكريس واقع تقسيمه زمانيا ومكانيا تمهيدا لتهويده ، الأمر الذي أثار موجة الغضب ورفع منسوب التحدي لدى الفلسطينيين ، وأمام اكتفاء المجتمع الدولي بالقلق ودعوته جميع الأطراف لضبط النفس ومساواته بين الضحية والجلاد و تكراره عباراته الممجوجة  والدعوة الى الحفاظ على الوضع القائم الذي لا يخدم أساسا تطلعات الفلسطينيين وحقوقهم واصل  الاحتلال اجراءاته التعسفية وتنكيله  للمصلين والمعتكفين داخل المسجد الأقصى أمام سمع وبصر العالم ,
   من الطبيعي أن يهب الشعب الفلسطيني  للدفاع عن قدسه ومقدساته و ان يرفض الاستسلام لإجراءات الاحتلال ومخططاته التي يحاول ترجمتها على الأرض في ظل عجز فلسطيني رسمي  وانسداد كامل لأي أفق سياسي ، لكن من غير الطبيعي في ظل ما يحدث في القدس  وبدل الحديث عن توحيد الصف واستنهاض الهمم ان يقوم البعض وعبر مقالاتهم وتحليلاتهم بحرف البوصلة عن خطورة ما يجري  من مواصلة الاحتلال ترجمه مخططاته وسلب مزيدا من الحقوق الفلسطينية و فرض واقع جديد يرضي حكومة الكهنوت المتطرف ويكرس الأهداف الاستراتيجية للمشروع الصهيوني ، بدل ذلك اختاروا  الحديث عن تهور ومغامرة قوى المقاومة و تبعيتها وارتهانها  لمصالح الاخرين  في ردها برشقات صاروخية محدودة من غزة او تلك التي لم يتبناها احد من لبنان وسورية علما انها لم تقم بأكثر من محاولة ايصال رسالة للاحتلال بأنه من غير المسموح  الاستفراد بالقدس وتنفيذ مخططاته الخبيثة  وأخرى للمقدسيين بأن معركتهم هي معركة الشعب الفلسطيني كله ، إضافة الى الاستجابة للمطالب الشعبية بضرورة اسناد المقدسين ، لا شك ان الملاحظات على الواقع التي تعيشه القوى والفصائل الفلسطينية وعلى اختلاف مسمياتها كثيرة ومنها   ما يتعلق بحالة الانقسام السياسي والجغرافي وتكريس السلطتين والاستعصاء الحاصل في عملية اصلاح البيت الفلسطيني وعدم التوافق على استراتيجية موحدة ومعروف للجميع أسباب هذا الاستعصاء ، كل ذلك بالتأكيد يعرقل الإجماع على شكل وحجم وأدوات أي مواجهة او معركة يفرضها الاحتلال واجراءاته ، ,    ولكن لا ينبغي ان ننسى وخاصة في اللحظات الحرجة ان التناقض الرئيس هو مع الاحتلال ومن غير الجائز الالتفات الى نقاط الخلاف الداخلية وتعميقها  في خضم المواجهة ،  واذا كان مطلوبا تشخيص ما يجري وبموضوعية وتنوير الرأي العام بحقائق الأمور فأن ذلك لايعني  اسقاط الرغبات والمواقف والايديولوجيا على الواقع ومحاولة تعميم الصورة النمطية التي يرسمها هؤلاء المثقفين عن القوى والفصائل المقاومة على الجمهور المتلقي و هنا من الواجب التعرض لبعض ما تناولته مقالاتهم بخصوص المواجهة المحدودة الأخيرة ،  جرى اتهام المقاومة  بالغباء السياسي  وعدم الاستفادة من التناقضات الداخلية التي تعصف بالكيان الصهيوني وهي بدل توسعة الشرخ بين مكوناته عملت دون ان تدري على اصطفافها خلف حكومة الكهنوت الديني الفاشي  فهذا رهان ليس بالضرورة ان ينعكس على القضية الفلسطينية سيما ان الصراع داخل الكيان هو بين كتلتين يمينيتين متطرفتين ووجهين لعملة صهيونية واحدة كما انه لا يمكن بيع الوهم وتناسي ان جميع حكومات الاحتلال ومكوناته تتفق وتتنافس على سلب حقوق الفلسطيني وقمعه وحرمانه وفق خطوط حمراء رسمتها من ممارسته أي نوع من أنواع السيادة ولا لدولة فلسطينية  والقدس موحدة عاصمة للكيان ، ومن المفيد ملاحظة ان المواجهة الأخيرة رغم محدوديتها أعادت الجدل الى ماهية الصراع واستمراره والعودة لمناقشته داخل المجتمع الصهيوني ومؤسساته بعدما توهم الكثيرون منهم انه تقلص وتم ترويض الفلسطينيين وحشرهم في الزاوية ، والمسألة الأخرى هي ما حاول البعض من تمريره ان ما يجري هو محصلة صراع مع قوى إقليمية تحاول الاستفادة من قوى المقاومة لتمرير مصالحها واجنداتها و هنا  سواء اتفقتم اولم تتفقوا معها ومع تحالفاتها ومصادر دعمها  تبقى قوى المقاومة هي جزء من الحالة الفلسطينية لها قاعدتها الشعبية الواسعة التي اثبتت عبر الانتخابات في مرحلة ما وجودها وحضورها وهي مكون وطني له مساهماته في العمل النضالي المقاوم ومقارعة الاحتلال ولا يجوز التماهي مع عواصم كثيرة  وضعتها على لوائح الإرهاب وتعمل على شيطنتها وذلك بالتأكيد إساءة  لنضال الشعب الفلسطيني وشهدائه ، ثمة مسألة أخرى ينبغي الإشارة اليها لقد كان واضحا أداء المقاومة وحجم ردها المتأني على الغارات الصهيونية وعدم رغبتها في توسيع المواجهة  وهذا ما يثبت انها تعي وتقرأ الواقع والظروف والامكانيات والمتغيرات الحاصلة على الساحة الداخلية والإقليمية والعالمية   وتدرك تعقيدات المرحلة بشكل جيد ، وهي بالتأكيد لم تحدد زمان هذه المواجهة  بل هي نتيجة لتغول الاحتلال واجراءاته بحق المقدسيين والاقصى وعجز المجتمع الدولي ودول التطبيع العربي عن وقفها الأمر الذي يتطلب منها   ان لا تقف موقف المتفرج والمتخاذل ،  أما عن  كسر رشقات الصواريخ المحدودة  (عزلة ) الكيان المفترضة التي يعيشها نتيجة ممارساته وتوجهات حكومته الدينية الفاشية  بالتأكيد هنالك مبالغة في ذلك ومعلوم ما يمثله  الكيان  للثكنة الاستعمارية والغرب الامبريالي وارتباطها العضوي بها وحرصهم على ابقائه قاعدة متقدمة مع ضمان امنها وتقوفها في المنطقة إضافة الى أن  مصالح هذا الكيان المتبادلة مع القوى العظمي جميعها والاقطاب الاقتصادية الكبرى في العالم لا يدع مجالا للشك بعدم السماح للأمور داخل الكيان بالخروج عن السيطرة ، وأنه من المبكر جدا المراهنة على تغير أسس النظام العالمي وانعكاس ذلك على القضية الفلسطينية وسيبقى الكيان بحكم وظيفته وعلاقاته فوق القانون الدولي   يثبت ذلك  فشل المجتمع الدولي عبر مجلس الامن من تمرير ولو بيان ادانة ضد الممارسات الصهيونية رغم مشاهد وصور التنكيل والاذلال  التي بثت للعالم على الهواء مباشرة ،، ويثبت ذلك ايضا مسارعة معظم عواصم القرار لإدانة اعمال المقاومة  ومنح الكيان شرعية الدفاع عن نفسه  وانه مهما مارس من اجرام بحق الفلسطينيين وغيرهم من العرب كما يحدث في عربدته وانتهاكاته المستمرة للأراضي السورية سيصمت هؤلاء وسيعطونه المبررات حتى وان قام بعمليات إبادة جماعية وتطهيركما جرى في غزة واقتحامات  مدن ومخيمات الضفة ولن نشاهد الا مزيدا من خطوات التقارب والدعم له والتطبيع معه .
من حق الفلسطينيين ما دامت قضيتهم قضية تحرر وطني الرد على الجرائم المرتكبة بحقهم من قبل الاحتلال وبالوسائل المتاحة ولا يمكن التهاون وترك الأمور لما ستقرره سياسة الامر الواقع الصهيونية في القدس كما حصل سابقا حيث نجحت في اقتسام زماني ومكاني للحرم الابراهيمي في الخليل وباتفاق رسمي مع القيادة المتنفذة عام 1998 وأصبح ملحقا من ملحقات اوسلوا، كما ان مصداقية الشعارات والبيانات تتجلى في مثل هذه اللحظات والتي تثبت وتوضح حقيقة الصراع مع هذا الكيان الاستيطاني  العنصري الفاشي وزيف روايته وتثبت أكثر صدق الرواية الفلسطينية التاريخية وعدالة قضيتها . 
                                                                             وليد محمد محمد
                                                                           كاتب وصحفي فلسطيني        

2023-04-13