السبت 18/10/1445 هـ الموافق 27/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الحرب الأوكرانية والحروب الطويلة....ناجى شراب

  في أدبيات الحرب من السهل أن تبدأ الحرب لكن من الصعب أن تنتهى. والحرب تبدأ بقرار واحد وقد تنتهى بأكثر من قرار، وهذا ينطبق على الحرب الأوكرانية التي بدأت بقرار روسي للرئيس بوتين بدوافع كثيرة أبرزها أستعادة مجد الأمبراطورية الروسية حيث تسعى روسيا إلى الحفاظ على نفوذها في منطقة البحر الأسود ومضيق كيرتش. والنزعة القومية حيث ان المناطق الشرقية لأوكرانيا موطنا للأوكرانيين الناطقين بالروسية. وكما يقول المؤرخ ألأوكرانى إيلى بوشاك:إن العلاقة بين روسيا وأوكرانيا وبين كييف روسيا تشكل المشكلة ألأساس لتاريخ أوروبا الشرقية.وبرغبة روسيا تغيير قواعد النظام الدولى من الأحادية للقطبية .وبالمقابل الأطراف الأخرى المباشرة للحرب وتتمثل في الولايات المتحدة تسعى إلى إجهاض القوة الروسية والحيلولة دون منافستها لأحاديتها، وأوروبيا تحاول الدول الأوروبية إستعادة قوة الناتو , بضم دولا جديده مثل السويد وفنلندا. وهذه الدول اليوم تتحكم في نهايات الحرب وليس روسيا اوهذا ما يفسر لنا أحد ألأسباب لإستمرارها. ولعل الخطأ الذى وقع فيه بوتين إعتقادة انها حرب لأيام قليلة يتم خلالها إسقاط حكم زيلنسكى وكييف التلى تعتبرها روسيا أم المدن الروسية . ما لو يتوقعه بوتين هذا الحراك ألأمريكى وألأوروبى ا.لتتحول هذه الحرب إلى حرب كونية في تداعياتها ، فلم تنجو دولة من آثارها الاقتصادية . ولعلها تكون من أكثر الحروب التي تترتب عليها خسائر كبيرة خلال عام واحد. فزادت الخسائر المالية عن 8-2 تريليون دولار تكفى لمعاجلة كل المشاكل الاقتصادية من فقر وكساد إقتصادى عالميا.وتجميد 300 مليار دولار روسى في البنوك الأوروبية كانت تدر أكثر من مائة مليار دولار على الخزينة الروسية.وأكثر من 100 الف قتيل روسي ومثلهم أوكرانيين.إلى جانب أكثر من 16 مليون لاجى أوكرانى .وتدمير بنية الدولة كلها، وحاجتها اليوم لأكثر من 750 مليار دولار لإعادة إعمارها.وفقدانها حوالى 20 في المائة من أراضيها التي أحتلتها روسيا وتصر على بقائها بعد إستفتاء سكانها.وهذه الخسائر خلال عام واحد فكيف لو أستمرت الحرب عاما آخر؟ولوعدنا إلى الموقف الأمريكي الذي بات العامل الرئيس في إستمرار هذه الحرب من توقفها ما أشار إليه السفير الفرنسي موريس غوردو والذى عمل مستشارا للرئيس شيراك من أن الرئيس الفرنسي كلفه إجراء إتصالات مع كل من موسكو وواشنطن 2006 لبحث إمكانية تسوية الأزمة بمنح حماية متبادلة لأوكرانيا من قبل ألأطلسى وروسيا. لكن الولايات المتحده رفضت الفكرة.. وهذا يؤكد لدينا مصداقية الفرضية التي تقوم عليها الحرب وموقف الولايات المتحده الذى أكد عليه الرئيس بايدن في زياته المفاجئة لكييف وتصريحه لن نسمح لروسيا أن تنتصر في الحرب.ويقف وراء هذا الموقف ان هذه الحرب قد تقود روسيا لحرب على أقاليم أخرى.وإشكالية هذه الحرب ان الحروب الكبرى تحكمها توازنات القوة والقدرة على إستمرارها نظرا لتوفر الموارد والقدرات العسكرية والإقتصادية لديها، ونحن هنا أمام نموذجا للحرب الكبرى بين روسيا وأمريكا وأوروبا تقوم أوكرانيا فيه بدور الوكالة فيها. وسبب آخر قدرة روسيا على الصمود في مواجهة العقوبات وتعويضا بالإنفتاح على دول آسيي وتصدير النفط والغاز وتغذية الروح القومية الروسية والإلتفاف حول الرئيس بوتين وتعليق المشاركة في معاهدة الأسلحة الإستراتيجية ستارت.وفى الوقت ذاته هناك دولا أستفادت من الحرب وخصوصا الصين والدول النفطية ودول الغاز كالدول العربية الخليجية وهو ما منح هذه الدول دورا أكبر للمساعدة في تخفيف تداعيات الحرب والإستعداد للتوسط لإنهائها. وقد تكون الصين بقوتها وقدرتهاوعلاقاتها الأكثر إستفادة من الحرب وتاثيرا على روسيا ،وتفتح المبادرة التي أعلنت عنها الصين نافذة من التفاؤل لدبلوماسة للحل وتقوم على ركيزتين الأولى عدم جواز ضم ألأراضى بالقوة ، والركيزة الثانية إعتبار وتفهم للدواعى الأمنية الروسية لكن المعضلة هنا في الأقاليم التي ضمتها روسيا بعد إستفتائها..وتبدو هذه الحرب أمام اكثر من سيناريو السيناريو القبرصى بتقسيم الأراضى وقيام حالة دولة للأقاليم التي ضمتها روسيا.وسيناريو إستمرار النزاع في إطاره القائم وإحتوائه جغرافيا. وسيناريو التسوية والحل الدبلوماسي وتبنى إستراتيجية حفظ ماء الوجه لكل من روسيا وأكرانيا. وأستبعاد سيناريو النصر والهزيمة النهائية.ويبقى أن هاك وجها آخر لهذه الحرب لفهمها وتفسير تطوراتها وهو الجانب الحضارى والأيدولوجى العقيدى ، وهنا يبرز كتاب فو كومايا نهاية التاريخ الذى كتبه في أعقاب إنهيار الإتحاد السوفيتى.وتصديقا لمقولة المفكر الأمريكي هنتنجتون صدام الحضارات. وما قاله جوزيب بوريل سكرتير الشؤون الخارجية للاتحاد ألأوروبى:بأن أوروبا هي الحديقة الغناء وواحة الديموقراطية وما عداها سوى مساحات مناألأحراش وألأدغال يعيش بها الوحوش الكاسرة. وبالمقابل يقول الفيلسوف الروسى الأفضل لروسيا بأن لا تعيش في أوروبا ليكون شعبها غجرا في وسط القارة ألأوروبية، وألأفضل لها التوجه نحو الشرق أي أسيا. يبقى أن هذه الحرب قد غيرت من قواعد النظام الدولى القائم بالتحول نحو القطبية وسباق التسلح ودخول دول مهمة في هذا السباق مثل اليابان وألمانيا.وأن الولايات المتحده لم تعد تملك نفس عناصر الهيمنة الأحادية ، وهذا قديكون المفتاح لنهاية هذه الحرب قبل أن تتحول لحرب نووية الكل خاسر فيها وفى عضر اللايقين تبقى كل السيناريوهات قائمة.

دكتور ناجى صادق شراب

[email protected]

2023-03-12