الإثنين 13/10/1445 هـ الموافق 22/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
مداخل 'استباقية' أو غير تقليدية للتعامل مع الجماعات الإسلامية...د. فهمي شراب

 أثبتت الولايات المتحدة فشلها في سياساتها التي اعتمدت فيها على الأداة العسكرية والأمنية، وسجلت فشلا ذريعاً في عدة دول بعدما تركتها صحراء قفراء  أو مدن ترقد على الأطلال، فقد تخلت عن سياسة الحصار تجاه كوبا الاشتراكية بعد ستون عاما من الحصار، وتفاوضت مع حركة طالبان بعد خوض معارك كثيرة سالت فيها الدماء غزيرة وبعدما كانت تؤكد الولايات المتحدة بأنها لن تتعامل أو تتفاوض مع "إرهابيين"،  فهل نعي مسبقا لأضرار تلك السياسات التدميرية التي ترفع لواءاتها الولايات المتحدة؟  هل نعي ما قالته هيلاري كلينتون أن هؤلاء كان من الأجدى توفير لهم فرص العيش بكرامة والوظائف لهم ولأسرهم بدل أن نحاصرهم ونحاربهم ونقتل أطفالهم ونسائهم؟؟

مرة أخرى تسجل الأنظمة العربية إخفاقا جديدا في ملف هام، والمتمثل في التعامل مع الجماعات الدينية، هذه الدول تركت الأسباب التي أدت إلى ظهور هذه الجماعات وذهبت لمعالجة هذا الملف الشائك بجميع سبل القمع والبطش. أي تخطت عدة مراحل في العلاج وقفزت لمرحلة " الكَي". لا ندافع عن التشدد بشتى مظاهره، ولكن الدولة الناجحة تعمل على تطويق الأزمات ومعالجة الأسباب الحقيقية واستيعاب جميع فئات المجتمع وتضع قانونا ونظاما للجميع بدون تمييز.

لقد فشلت الحلول العسكرية والأمنية في التعامل مع الجماعات المتشددة، والنصيحة التي تقدم للقائمين على مهمة الحفاظ الأمن؛ وصناع القرار: ان يستعملوا مداخل سلمية للتصالح ( Peaceful Approaches) والاستيعاب الايجابي (Containment Policy) مع الجماعات الإسلامية الأخرى، لان الحل "الأمني والعسكري" لا يجد نفعا، وقد تم تجريبه منذ الستينيات في أكثر من بلد ولم يؤت ثماره، بل كانت تداعياته كارثية بسبب العنف والعنف المضاد (دوائر رد الفعل المستمرة والخلايا النائمة). فلا يمكن لأي نظام يتخذ جزء كبير من شعبه كأعداء أن يتصف بالحكمة والعقلانية.. !!

إن تطبيق ما يعرف بــ Preventive Diplomacy ، اي " الدبلوماسية الوقاية" التي تعنى بمحاولة تطويق الأزمات قبل وقوعها، ومعالجة الجذور الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية والنفسية.. (Social and Economic roots ). هو الحل الأمثل، والذي نجح في اوروبا والولايات المتحدة مع المذاهب الدينية والتيارات الإصلاحية التي ظهرت وكانت توصف ب"المتشددة آنذاك"...  فقد استخدمت الولايات المتحدة خطة مارشال الاقتصادية مع ألمانيا بعدما خسرت ألمانيا الحرب العالمية الثانية، وأصبحت  ألمانيا اقل عدائية تجاه الولايات المتحدة.

فالحصار يعتبر بيئة حاضنة لزيادة كراهية المحاصِرين من الغرب ومن عاونهم. التمييز بين أبناء الشعب الواحد والتوزيع الغير متكافئ بين أفراده وفئاته، كل ذلك يخلق حالات من عدم الاستقرار الظلم الاجتماعي الذي من شأنه ان يعمل على ظهور الفلتان الأمني والاجتماعي وحالات الثأر الذي يهدد أمن واستقرار النظام والبلد نفسه.

إن مشهد التعاطف الرسمي العريض والمبالغ فيه لمقتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة على يد -تنظيم الدولة الإسلامية، داعش- الذي كان ضمن طاقم جنود التحالف الدولي الغربي الذي تقوده أمريكا ومن بين مهامه التدخل عسكريا في شئون الدول العربية والإسلامية، والذي يقابله حالة صمت رسمي أمام مقتل ثلاث فلسطينيين في نورث كارولينا- الولايات المتحدة- على يد متعصب أمريكي، هذا المشهد المتناقض المتمثل في الموقف الرسمي للدول العربية بين تعاطف واسع لمقتل الطيار الأردني وصمت مطبق مهين تجاه الثلاث فلسطينيين الذين سقطوا على يد متطرف أمريكي يثير حالات استياء شعبي ويخالف الإرادة الجماهيرية، ويكشف ان الدول العربية تشارك في التحالف الغربي الذي له أجندة تختلف عن طموح وأهداف الدول العربية، بل وتتناقض معها في كثير من الأهداف. لقد تجاهلت وسائل الإعلام الأمريكية هذا الخبر تماما كما فعلت وسائل الإعلام العربية الرسمية.

وفي الحالة الفلسطينية، قد يكون من الخطأ الفادح ان يعتري الدول العربية مستويات فساد تتفاوت من دولة إلى أخرى، ولكن من الخطيئة أن يحصل ذلك في فلسطين، (التي تقع تحت احتلال). إن الفساد والتوجهات الخاطئة وتهميش المجتمع الفلسطيني بجميع فئاته في الداخل وفي الشتات (المخيمات في لبنان وسوريا والأردن الخ) يعتبر مشاركة في الحصار ومحاولة مستمرة لتركيع المجتمع الفلسطيني وتخفيض منسوب مقومات الصمود و مقاومته للاحتلال بسبب انشغاله في تلبية أدنى احتياجاته حسب (هرم ماسلو) وبحثه الدائم لتوفير الملبس والمأكل والمشرب.

إن مظاهر التفرقة بين موظف غزة وموظف رام الله، وإطلاق مصطلح موظف شرعي وغير شرعي، يعتبر خطأ كبير، وتغول في حقوق الموظفين ومصادرة لمواطنيتهم واستحقاقهم الوطني، حيث الجميع أبناء القضية الفلسطينية، والجميع شركاء في الدم والقرار. وان الاستمرار في ارتكاب مثل هذه الأخطاء يسبب ظهور تطرف وتشدد وحالات انتقام وظلم اجتماعي، يدفع ثمن هذه الخطيئة الشعب الفلسطيني الذي يستحق جميعه أن يعيش بكرامة. فمن يزرع الشوك لا يحصد به عنباً.

[email protected]

كاتب ومحلل سياسي

فلسطين- غزة

2016-11-27