الأحد 11/11/1445 هـ الموافق 19/05/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
تصريحات أبو مرزوق حول المفاوضات محاولة للخروج من عنق الزجاجة/رشيد شاهين

لم تكن زلة لسان تلك التصريحات التي أطلقها د. موسى أبو مرزوق، ومن غير الممكن ان تكون على عاتقه الشخصي كما قد يفسر البعض، فهو جزء لا بل قائد في حركة حماس، التي لا يوجد بها ولا تسمح أنظمتها أن تطلق التصريحات هكذا بدون رقيب أو عتيب.

 

أبو مرزوق لا يهرف بما لا يعرف، ويدرك تماما ان مثل هذه التصريحات سوف "يتلقفها" ليس فقط الفلسطيني، وإنما كل المهتمين بحركة حماس وسياساتها وموقفها من الصراع الدائر في فلسطين منذ عقود.

 

وعلى ذلك، فلا بد من النظر إليها بكثير من المسؤولية، والتعامل معها بالجدية اللازمة، ودراستها بشكل موضوعي بعيدا عن الانفعال، وأخذها ضمن سياقاتها الصحيحة التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالعدوان على قطاع غزة، وما بعد هذا العدوان، وإلى أين تسير الأمور وفي أي اتجاه.

 

إضافة إلى ذلك، فلا بد من أخذها على محمل الجد، فالرجل ليس أي عضو في الحركة، ولا بد من النظر إليها نظرة حقيقية وموضوعية واعية، حيث هنالك الجارة المصرية في ظل رئيس جديد، يحمل عداء مبينا لحركة الإخوان التي تعتبر حماس جزءا أصيلا منها.

 

ولا يجوز ان يغيب عن البال، ما قامت به قطر من "طرد" للإخوان المسلمين المصريين من البلاد، وهذا يعني ان الأمور تسير باتجاه مواقف جديدة وسياسات متغيرة، قد تتغير فيها التحالفات والحسابات في المنطقة.

 

"القنبلة المدوية" التي أطلقها أبو مرزوق حول استعداد حماس للتفاوض، هي رسالة مباشرة ليس فقط لدولة الاحتلال، وإنما أيضا للجنة الرباعية التي تشترط اشتراطاتها المعروفة من اجل التعامل مع الحركة.

 

كما انها رسالة جلية إلى السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، لا تخفي جهوزية غير معلنة، واستعداد مبطن لإتباع نفس المسار الذي سارت عليه المنظمة، وفي حال رفض المنظمة لاستكمال دخول حماس بشروطها لتصبح عنصرا فاعلا فيها، فإنها تعلم علم اليقين ان دولة الاحتلال سوف تلتقط الرسالة بشكل مباشر، هذه الرسالة التي تعني فيما تعني، ان البديل عن المنظمة جاهز تماما، وهو بديل يتمتع بالقدرة والقوة، ومدعوم بشكل كبير على المستوى الشعبي والجماهيري، ليس فقط في فلسطين، وإنما بين الجماهير العربية والإسلامية، خاصة بعد العدوان الشرس على قطاع غزة، حيث تتوفر مناخات غير مسبوقة مؤيدة لحركة حماس.

 

التفاوض الذي تم الإعلان عنه من قبل السيد أبو مرزوق، ومحاولة تفسيره بالمباشر وغير المباشر، ليس هو بيت القصيد، وإنما الفكرة التي صارت تروج لهذا النهج الذي كان مرفوضا البتة من قبل الأخوة في حماس.

 

حماس تعلم  انها لن تستطيع تلبية كل الوعود التي وعدت بها الجماهير "الغزاوية"، خاصة في ظل تعنت الاحتلال وخذلان مصر، وموقف السلطة التي تحاول مسايرة الموقف المصري، وعليه، وأي إطالة لأمد المعاناة للمشردين، سيعني تآكل الشعبية الغامرة التي حصلت عليها الحركة خلال وبعد العدوان، خاصة وان حالة من التململ بدأت تظهر في الأفق وبتحريض من بعض الأطراف الفلسطينية، وهي وإن بدت ما تزال في المهد، إلا انها مرشحة للزيادة في طل كل يوم يتأخر فيه إعادة الإعمار.

السيد أبو مرزوق إنما مارس أعلى درجات التكتيك والدهاء والبراغماتية السياسية، وهو وان لم يقل صراحة ما وراء الاستعداد للتفاوض، إلا ان الرسالة  كما اشرنا واضحة، وسوف تجد من يلتقطها، ولن يكون غريبا انه قد يكون خلف الأبواب المغلقة اتصالات جرت، ومحاولات لجس النبض، من خلال وسطاء سواء المعروفين منهم أو المجهولين.

 

اللافت في الموضوع على الأقل في العلن، ان أبو مرزوق، وقع في ذات المطب الذي طالما وقعت فيه السلطة أو المنظمة، من خلال إبداء استعداد للتفاوض مع دولة الاحتلال بدون اشتراطات أو ثمن، علما بأن مثل هذه الموافقة كان يمكن ان يكون لا ثمنا كبيرا قد يتم تحصيله، سواء من المجتمع الدولي أو الإقليمي أو حتى الفلسطيني، برغم اننا نفترض ان الرسالة كانت موجهة على الأغلب لأمريكا ولدولة الاحتلال بشكل خاص.

 

برغم جرأة التصريحات، إلا انها وفي حال موافقة دولة الاحتلال على التفاوض المباشر أو غير المباشر، سوف يكون لها ثمنا لن يكون قليلا، وسيكون سلاح المقاومة عل الطاولة، ودور لحماس كبير في الحد من قدرات المقاومة، وربما تحويل القطاع إلى ضفة غربية ثانية.

 

المأزق الذي تعيشه حماس هو استمرار للمأزق الذي كانت تعيشه قبل العدوان، فلم تتغير أشياء كثيرة بعد العدوان، والأمور ازدادت تعقيدا في القطاع، وهناك مماطلة واضحة فيما يتعلق بإعادة الاعمار، فهل سيكون لهذه التصريحات الأثر الذي تم إطلاقها من اجله، هذا ما ستحدده الأيام والأسابيع والأشهر القادمة وليس السنوات.

2014-09-16