الخميس 23/10/1445 هـ الموافق 02/05/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
السلام العربى والسلام الإسرائيلى...ناجى شراب

  منذ ان نشأت إسرائيل وخيار الحرب يسود المنطقة ، فلقد عرفت المنطقة أربعة حروب كبيره ، واكثر من حرب ثنائية كما في لبنان وأكثر من ستة حروب على غزه. وقد تكون الحرب السادسة الآن ألأكثر تدميرا وقتلا وتحمل تداعيات سياسية بعيده على مستقبل المنطقة والقضية الفلسطينية . ورغم هذه الحروب لم يتحقق السلام ولم تحل القضية الفلسطينية ولم تقم الدولة الفلسطينية . وهنا الإشكالية الكبرى والمسافة البعيدة بين مفهوم السلام الإسرائيلي والسلام العربى وإشكالية السلام الفلسطيني. وفى مقالة اليوم ما هو السلام الحقيقى وما المقصود بالسلام الإسرائيلي . وأيهما أقرب لسلام الشرعية الدولية ؟وما المقصود بإشكالية السلام الفلسطيني؟أبدأ بالسلام الإسرائيلي الذى يذكرنا بالسلام الرومانى والبريطانى والفرنسى في المرحلة الإستعمارية والذى يقوم على القوة وعدم الإعتراف بالشعوب المحتلة وبحقوقها ،والتعامل معها كرعايا .اليوم إسرائيل تعيد هذا السلام اى سلام القوة . ولا يمكن فهم هذا السلام إلا بالعودة لنشأة إسرائيل ومفهومها لعقيدتها الأمنية..فنشأة إسرائيل جاءت نتيجة القوة من ناحية ، ونتيجة التحالف بين الحركة الصهيونية وبريطانيا المنتدبة على فلسطين وبدلا من ان تقوم الدولة الواحده عملت على تثبيت وجودها بالقوة وبلإعتماد على قوة مليشياتها التي قامت بمذابح ضد القرى العربية لإجبارها على الهجرة . ورغم ان إسرائيل قامت وفقا لقرار الأمم المتحده 181 والذى منحها دولة على مساحة تقارب ال55 في المائة من مساحة فلسطين و44 في المائة للدولة العربية والقدس تحت الوصاية الدولية ، إلا أنها وفى الحرب الأولى 1948 قامت بالغاء هذا القرار وضم ما يقارب 20 في المائة من مساحة الدولة العربية الفلسطينية ولتكتمل كل مساحة فلسطين بحرب عام 1967. يفهم من هذا ان الحرب والقوة هي الخيار الحتمى لإسرائيل وأساس عقيدتها الأمنية والعسكرية . فالسلام ليس خيارا حتميا ، بل تخضعه لخيار الحرب الذى يجب اى معاهدات سلام. ولعل المثال الواضح إتفاق أوسلو ورغم إعتراف منظمة التحرير بإسرائيل عملت إسرائيل على إخضاعه للقوة وإعتباراتها ألأمنية وتحكمت بحقها الأمنى لكل الأراضى الفلسطينية وأستمرت في الإستيطان والحيلولة دون قيام الدولة الفلسطينية التي نصت عليها . ولم تكتفى بذلك إستمر خيار الحرب وما يعرف بعقدة ثيوسيديدس الأمنية هو الذى يحكم علاقاتها ليس في غزه بل مع لبنان وسوريا . .ويقوم مفهوم هذا السلام على التفوق العسكرى وقدرة إسرائيل الوصول لأى منطقة ترى فيها تهديدا.ولم يكن مستغربا تصريح الوزير الإسرائيلي الياهيو كيمحياى بضرب غزه بالقنبلة النووية ان إسرائيل تملك هذه القوة التي هي أساس غقيدتها الأمنية. و الخلاصة أن السلام الإسرائيلي يقوم الأن على سلام عربى مقابلا السلام وفصله عن القضية الفلسطينية وشرط قيام الدولة الفلسطينية ولعل هذا أحد أهم ألأسباب لإستمرار الحرب التي نراها تتجدد في غزه.ومن ناحية أخرى يقوم هذا المفهوم على التحالف الإستراتيجى مع الولايات المتحده وأوروبا التي ترى في إسرائيل إمتدادا لها. ولقد كشفت الحرب الأخيرة على غزة المفهوم الدينى والحضارى للحرب وتصويرها على انها حرب بين الخير والشر ، وحرب بين التحضر والتوحش وبين التقدم والتخلف, وربما بالعبد الدينى والنبوءات الدينية ا.وهذا السلام هو سلام دول القوة. وبالمقابل هناك السلام العربى والذى أساسه ان الدول العربية دول سلام وليست دول حرب. ويلخص هذا السلام المبادرة العربية التي تم تبنيها في قمة بيروت عام 2002 وأساسها إنسحاب إسرائيل من الآراضى العربية التي احتلتها عام 1967 مقابل الإعتراف بإسرائيل وقبولها دولة كاملة عادية في قلب المنظومة العربية .وقبل المبادرة تم التأكيد على هذا المفهوم في معاهدات السلام الموقعة مع مصر والأردن وهما الأهم بالنسبة لإسرائيل بحكم التلاصق الجغارافى وإتفاق أوسلو الذى وقعته المنظمه وبوجبه تم الإعتراف بإسرائيل دولة ومنظمة التحرير الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطيني على ان تنتهى عام 1999 بقيام الدولة الفلسطينية، ولو تم الإلتزام بهذا الاتفاق ما شهدنا كل هذه الحروب ولكان لنا لدينا خارطة من السلام والتعايش للمنطقة . ولم يقف المفوم العربى للسلام عند حدود المبادرة العربية التي تجاوزتها إسرائيل لتذهب الدول العربية خطوة أبعد في التأكيد على ان الرؤية العربية للسلام ثابته كأحد أهم ألأولويات السياسية ، وان السلام ياتى أولا ويجب خيار الحرب، فذهبت اكثر من دولة عربيه وعقدت معاهدات سلام كمقاربة وخيارا لحل القضية الفلسطينية عبر السلام وليس الحرب.ورأينا قبل الحرب خطوات مع السعودية بوزنها ومكانتها لعقد صفقة سلام شامله . خلاصة المفهوم العربى للسلام يقوم على إنهاء صفة الاحتلال الإسرائيلي وقيام الدولة الفلسطينية والقبول بإسرائيل دولة كاملة في المنطقة والذهاب لخيارات التعاون المشترك والتنمية والتعايش المشترك. وتبقى ألإشكالية في قلب السلام والتي تشكلها الرؤية الفلسطينية . والسؤال هل يملك الفلسطينيون رؤية واحده للسلام؟ وهل أساسها المبادرة العربية ؟

السلام الفلسطيني والذى تمثله السلطة الفلسطينية يقوم على المبادرة العربية بالقبول بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 وهو ما يعنى تنازلا كبيرا بالمقارنة بالقرار 181, إلا إن احد اهم الإشكاليات التصور والمفهوم الذى تتبناه حركة حماس ومعها فصائل أخرى ويقوم على فلسطين التاريخية , واعتماد المقاومة المسلحة , ولقد ساهم الإنقسام الفلسطيني على هذا التناقض . واليوم وبعد هذه الحرب لا بد من توحيد الرؤية الفلسطينية للسلام والتي تتوافق مع المبادرة العربية وأساسها إنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية ووحدة الاراضى الفلسطينية والسلطة الفلسطينية .

وهذا هو الرد القوى على سلام القوة الذى تتبناه إسرائيل. والعمل على تفعيل سلام الشرعية الدولية .

ويبقى ان قوة السلام لا بد أن تنتصر على سلام القوة، فالحروب لا تصنع السلام.فلا إسرائيل قادرة على فرض سلامها بالقوة والحرب ولا حتى الفلسطينيون والعرب قادرون على فرض سلامهم، فالسلام العربى في حاجة لدعم دولى وخلق صوت وقوة سلام داخل إسرائيل . ويبقى السلام العربى هو السلام الأقرب والأكثر واقعية لتوافقه مع الشرعية الدولية.

دكتور ناجى صادق شراب [email protected]

2023-11-07