الثلاثاء 13/11/1445 هـ الموافق 21/05/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
هل "المقاطعة" منطقة عسكرية مغلقة/جهاد حرب

يصر بعض المسؤولين التنفيذيين على اعتبار مقر الرئاسة الفلسطينية "المقاطعة" بأنه منطقة عسكرية مغلقة أمام كل من يريد أو يرغب بتنظيم وقفة احتجاجية على سياسة القيادة الفلسطينية أو للتعجيل في المصالحة أو على لقاء شاؤول موفاز، مما يعيد إلى الأذهان وضع المقاطعة قبل عام 1996 باعتبارها مقرا لقهر الفلسطينيتين ومقرا للحاكم العسكري.
فيما حوّل الرئيس الراحل ياسر عرفات "المقاطعة" محجا لكل سياسيي العالم، من روؤساء ووزراء ودبلوماسيين وناشطين وفاعلين سياسيين باعتبارها "قصر" الرئاسة الفلسطينية ومقر اقامته. وحولها الرئيس محمود عباس مزارا عند بناء ضريح الرئيس ياسر عرفات. وأيضا "المقاطعة" يصنع ويطبخ فيها القرار السياسي الفلسطيني ويصدر منها كل ما يتعلق بمصير الشعب الفلسطيني المؤيدين منه والمعارضين (الموالين والمخالفين).
ترنو أبصار الفلسطينيين إلى "المقاطعة" في سرائهم وضراءهم، وهي باتت بقرار فلسطيني بحت وبدون أجندات خارجية محطتهم لإسماع صوتهم لرئيسهم مباشرة دون وسطاء بعد عجز هؤلاء الوسطاء من قيامهم بعملهم بنقل نبض الشارع.
فالفلسطينيون مختلفون مع أنفسهم قبل أن يختلفوا مع الحكام؛ رئيسهم وحكومتهم وفصائلهم، ولهم من الألفاظ الشعبية ما يسعفهم في مدحهم وشتمهم، وفي رضاهم وعدمه، وفي غضبهم وهدوئهم، وفي قصائد المديح والذم، وفقا للاختلاف والخلاف وصلت أحيانا إلى حد التخوين والتلوين والسب والشتم. والحرية لهم كالهواء لا يعيشون دونه، وكذلك الاختلاف من سماتهم وهي عادة فلسطينية بامتياز توارثوها جيلا بعد جيل، من العشائرية إلى الفصائلية، وفي غرف الدردشة، وعلى صفحات التواصل الاجتماعي.
شباب الفاسبوك أو الفاسبكيون (أولاد الانترنت كما يحلوا للبعض أن يصفهم) استطاعوا أن يجمعوا في مظاهرات الاسبوع الماضي أعدادا تعجز عنه الكثير من الفصائل الفلسطينية من ناحية، وهم بألوانهم المختلفة مناضلين أشداء استطاعوا أن يحولوا دردشاتهم إلى فعل لرفض لقاء نائب رئيس الحكومة الاسرائيلية في مقر الرئاسة خاصتهم. فالثورة ليست فقط بندقة مقاتل بل هي أيضا ريشة فنان، وكلمة شاعر، ومبدع بروفايل. والفاسبكيون هم ذاتهم أبطال ثورات الكرامة العربية التي أطاحت باعتى الدكتاتوريات في العالم العربي مقابل عجز الأحزاب والفصائل الراديكالية الاصلاحية على مدار خمسين عاما.
ما جرى يومي السبت والأحد وما بعدهما كسر مقولة "المقاطعة منطقة عسكرية مغلقة" أمام المتظاهرين من ناحية، ووجهت الأنظار إلى أن رفع كفاءة الشرطة لا تكون فقط بالتدريب والمعدات وتحسين المباني فقط بل، أيضا، بالأخذ بتعزيز ثقافة ضمان الحريات وحمايتها في ردهات ومراكز الشرطة ذاتها باعتبارها مهمة تحظى بالأولوية قبل حفظ النظام من ناحية ثانية. و"المقاطعة" بذلك، ومن ناحية ثالثة، باتت محجا ومزارا ومقرا للفلسطينيين على اختلاف مشاربهم وآرائهم مفتوحا لهم قبل غيرهم من بني البشر لإسماع صوتهم، ما يتطلب وضع ترتيبات مقبولة شعبيا لممارسة حق التجمع عند مقر الرئاسة وليس المقاطعة

2012-07-06