الأحد 19/10/1445 هـ الموافق 28/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
نتنياهو والشخصية الميكيافيلية.....ناجى شراب

  الأمير من أشهر كتب ميكافيلى كتبه لأميره يقدم فيه نصائحه للحكم وكيفية الحفاظ عليه بكل الوسائل،والمقولة الرئيسة التى يقوم عليها الكتاب الغاية تبرر الوسيلة , وهى ما تعنى أن لا أخلاق في السياسة ، وبمتابعة سياسات نتنياهو يبدو انه قد قرأ هذا الكتاب لأنه ينطبق على خطواته وقراراته ومواقفه، وإلى جانب الغاية تبرر الوسيلة التي يتبناها نتنياهو وصولا للحكم والحفاظ عليه ، تنطبق عليه مقولة أخرى لميكيافيلى حبى لنفسي دون حبى لبلادى.وبمقارنة شخصية نتنياهو بالشخصية الميكيافيلية نجد أبرز الصفات التي تتميز بها هذه الشخصية وأهمها بالقدرة على التلاعب والتعامل مع المواقف بمكر والميل لإكتساب القوة ، والتركيز على طموحاتهم وإهتماماتهم وعدم الاهتمام بطموحات الأخرين، والثقة العالية في النفس.وإعطاء ألأولوية للمال والسلطة ،والتلاعب بالأخرين وإستغلالهم للأخرين ، فالغاية لديهم تبرر الوسيلة ، وإستخدام الخداع والكذب عندما يحتاج لذلك ،والسعى لتحقيق أهدافهم ولو كان على حساب الأخرين.ولا يدركون عواقب ونتائج أفعالهم. هذه الصفات نجدها لدى قراءة شخصية نتنياهو.وتثير شخصيته العديد من التساؤلات هل هو شعبوى تعصبوى أيدولوجى ؟وهل هو رجل واقعى برجماتى ؟وهل تغلب نزعاته اليمينية على نزعاته الشخصية أم العكس؟نتنياهو إبن بيئته وأيدولوجيته ويعرف ويفهم جيدا حدود السياسة الإسرائيلية وألأيدولوجية الصهيونية التى تربى عليها ، فهو أكثر رؤساء وزراء إسرائيل حكما ،ويفهم ميكانيزمات التحالفات والإئتلافات الحزبية ،ويعرف ماذا يريد وماذا يريد الأخرين منه ، ففى سبيل السلطة مستعد للتنازل عن القيم والمبادئ ترجمة لنصائح ميكيافيلى لأميره.يؤمن بالقوة ، وأن إسرائيل وجدت لتبقى، لا يؤمن بالسلام العادل بل سلام القوة وهذا ما عبر عنه أخيرا بالنسبة للسلام مع الفلسطينيين بعد إكتمال السلام مع كل الدول العربية بمنحهم حكما ذاتيا ، لأنه لا يعترف بهم شعبا بل مجموعة من البشر وفدت من الخارج.والغريب في في فلسفته للحكم انه يعتقد ان الكل يحتاج إسرائيل، وهذا نراه في علاقاته بالدول العربية ، فهو يعتقد أن الدول العربية تحتاج إسرائيل في مواجهة القوة النووية الإيرانية.والصفة الغالبة في شخصيته أنه يريد أن يتحول ملكا مثل ملوك بنى إسرائيل، وكما يقال هو ملك بدون مملكة إشارة لطول فترة حكمه التي فاقت فترة حكم بن جوريون ,فحكومته الحالية هي السادسة بتركيبتها اليمينية الأكثر تطرفا في تاريخ الحكومات الإسرائيلية ، فتحقيقا لمصالحه الشخصية ذهب لتشكيل إئتلاف مع اكثر القوى تشددا بن غفير وسموتريتش واليهودالحريدم ولا يبالى ان تتحول إسرائيل لدولة دينية يهودية على حساب الديموقراطية التى كان يخدع الأخرين انها واحة الديموقراطية وسط عالم من التخلف العربى. ولا يختلف احد على رغبته في الحكم ، وما الإصلاحات القضائية التي تبناها ويدافع عنها إلا تطبيقا للغاية تبرر الوسيلة ، فليس هدفه الإصلاح وإنما النجاة اولا من تهم الفساد المتهم فيها والتى قد تنتهى به للسجن، وثانيا رغبته في الحكم المطلق بتقييد سلطة القضاء رغم معرفته ان القضاء أساس اى حكم ديموقراطى.فهو سبب لحالة الفوضى وألإنقسامات التى تعيشها إسرائيل اليوم ولا يعنيه كل التحذيرات الداخلية والخارجية لتنطبق عليه مقولة ميكيافبلى حبى لنفسى أولا ولو حساب حبى لوطنى.ولهذا نحن أمام شخصية جمعت بين السياسى ورجل الدولة وبين البرجماتى والأيدولوجى وبين النفعى وبين الغائى الفكر..وسيسجل له أنه نجح أن يشكل مملكته الخاصة دون ان يكون ملكا.وهدفه اليوم ان يحول البرلمانية الإسرائيلية إلى برلمانية ملكية له.إنتصر على السياسة التي يجيدها لكنه لم ينتصر حتى اللحظة على النظام السياسى. فهو ليس صانع للسلام ، فإتفاقات السلام مع الدول العربية ليس له فضل فيها بل بفضل إدارة الرئيس ترامب. و هو من أفشل المبادرة العربية للسلام، واحبط محاولات السلام بالمراوغة والتحايل وكسب الوقت وانه لا يعارض فكرة الدولتين.هو ليس أيدولوجيا حقيقيا بل نفعيا ميكيافيليا المهم عنده الحكم كما في تحالفاته اليوم مع اكثر القوى تشددأ ،علما انه كان لديه البديل في تشكيل حكومة مع القوى الأخرى .. لكنها النزعة الشخصانية.ولا مانع لديه ان يقدم تنازلات يرى انها تحقق مكاسب ومنافع له كما في نموذج العلاقة مع حماس.

وهو أيدولوجى فقط كما نتنياهو لنفسه.خلال فترة حكمه ألأولى 1996-1999اعترف بأوسلو التي لم يؤمن بها إطلاقا بل عمل على دفنها بالإستيطان والتهويد ،واليوم بمجاولته حسم القضية الفلسطينية كما أشرنا برؤيته للسلام مع الفلسطينيين.

ومن مفارقاته السياسية انه وقع على إتفاقات واى ريفر مع الرئيس عرفات وبحضور الملك حسين، وبدأ مفاوضات مع الرئيس بشار في أول حكمه وكل هذا من باب المراوغة والغاية تبرر الوسيلة. والخداع للأخرين.

ومن صفاته أنه ليس مغامرا يخشى التورط العسكرى بل يميل للعمليات العسكرية الخاطفة والإغتيالات التي تحقق له إنجازات سياسية وهذا واضحا بالتلاعب بالورقة الإيرانية وعدم الدخول في حرب شاملة معها.يغلب مصالحه السياسية على أي إعتبار آخروخيار الحرب يقع في هذه الحسابات.

ولكن ليس معنى ذلك أنه رجل سلام لا يريد الحرب فالحرب خيار إسرائيل وخيار قيادتها العسكرية.هو إبن المؤرخ بيتزيون نتنياهو تربى على ألأيدولوجية اليمينية يؤمن أنه الوحيد القادر على الحافظ على امن إسرائيل ، تلميذ لجابوتنسكى .الذى يؤمن بإسرائيل الكبرى ،وما نشر خارطة إسرائيل التى نشرها سموتريستش إلا بعلمه وهى نفس الخارطة التي يؤمن بها.يؤمن بالقومية اليهودية والنقاء اليهودى ووراء قانون القومية اليهودية الذى تخضع له كل السياسات والتعامل مع الفلسطينيين سواء في الداخل او في الآراضى الفلسطينية التي يؤمن بملكيتها لها.شخصية متقلبة متأرجحه من موقف لآخر حسب ما تقتضيه حاجة الموقف. ، واليوم الصورة الأكثر وضوحا في التعامل مع إدارة الرئيس بايدن الذى يعتبر أكثر الرؤساء الأمريكيين تأييدا لإسرائيل وصاحب مقولة لو لم تكن إسرائيل لعملت على وجودها ، ومحاولة تفادى الصدام لأنه يدرك ان الإدارة ألأرميكية قادرة على الإطاحة به لكنها السلطة والحفاظ عليها.

ويبقى ان أزمة إسرائيل اليوم هي في شخصية نتنياهو الذى لا يرى نفسه إلا رئيسا للوزراء، وقوته اليوم في يمينية إسرائيل وفى قوة المستوطنيين الذى ساهم مساهمة كبيرة في تأصيلها وتقويتها ولو على حساب النظام والديموقراطية.

دكتور ناجى صادق شراب [email protected]

2023-04-05